الإصلاحات الإقتصادية تبقى مبتورة وقاصرة إن لم تستكمل بإصلاحات سياسية تركن إلى ثوابت وطنية يعترف بها شرائح المجتمع، وإن لم تترافق مع باجتثاث الفساد ليبقى محصوراً في حقل الإرتكابات الفردية التي تستعصي على الحل.
هناك تحديات تعترض مسار الإصلاح الاقتصادي، حيث تصطدم عملية الإصلاح الاقتصادي والسياسي بصعوبات وتحديات كثيرة إما من صنع خارجي أو داخلي وبفعل عوامل الطبيعة القاسية وقوى النفوذ والفساد، هذه التحديات تكمن في:
1. جماعات المصالح المكتسبة وهم جماعات من السماسرة والوسطاء والمهربين وجامعي الأموال وبعض المسؤولين المنتفعين والانتهاكيين والانتهازيين، يقاومون حركة الإصلاح ويقفون حائلاً دون ذلك.
وترى هذه الجماعات في الفوضى والتسيب والبيرومراطية والرشوة والفساد المرتع الخصب الذي يوفر لهم مكتسباتهم غير المشروعة ولهذا لا يدخرون جهداً ولا يعدمون وسيلة إلا ويستخدمونها لوضع العصي في عجلة الإصلاحات التي تستجيب لطموحات المواطنين.
2ـ تحدي المؤسسات المالية الدولية والضغوطات التي تعززها التبعية للدول الأجنبية نتيجة لضغوط المديونية الخارجية التي أبقت العلاقة مع صندوق النقد والبنك الدوليين، هذا الأمر كان من نتائجه التفريط بكل ما يمس السيادة الوطنية، فالتعامل مع هاتين المؤسستين الدوليتين موضع ريبة وشك وما تعطيه بيد تأخذه باليد الأخرى في صورة إملاءات سياسية وشروط إقتصاد مجحفة تمس السيادة الوطنية.
ولأن المؤسسات المالية الدولية تهيمن، عليها الولايات المتحدة فإن التعامل معها ينطوي على بعض المخاطر التي تتضمنها وصفة صندوق النقد والبنك الدوليين المتصلة بالإصلاحات الاقتصادية سواء من حيث ترتيب أولويات التنمية أو من حيث استيراد تكنولوجيا الاستهلاك بدلاً من تكنولوجيا الإنتاج، هذه الوصفات المعدة بعناية في المؤسسات المالية الدولية فيها الشيء الكثير من الأضرار لكل بلد يرهن استقلاله الاقتصادي والسياسي لهذه المؤسسات.
3ـ تخلف التشريع الضريبي، إذ لا بد من إصلاح التشريع الضريبي سواء من حيث معالجة مشكلة تحقيق الضريبة أو من حيث جبايتها، إضافة إلى مشكلتي التهرب الضريبي والازدواج الضريبي.
السياسة الضريبية بوصفها أداة مالية مرنة تستعين وتستنجد بها الدولة لمعالجة الاختلالات الهيكلية التي يتعرض لها الاقتصاد، لا تستخدمها الجهات المالية على هذا النحو، كونها تتميز بالثبات والاستقرار إلى درجة أن الجهات المعنية لا تعمد إلى تخفيف العبء الضريبي على المكلفين في مرحلة الركود الاقتصادي وبالمقابل لا تلجأ إلى زيادة الضرائب في مرحلة الإزدهار الاقتصادي ولا تسعى إلى زيادة الانفاق العام في مرحلة التوسع الاقتصادي وهذا ما يتعارض مع أبسط قواعد المالية العامة التي يقضي بتخفيض الضرائب وزيادة الانفاق العام في طور الركود الاقتصادي والعكس بالعكس في مرحلة لازدهار الاقتصادي.
4ـ تخلف القطاع المصرفي ـ النظام المصرفي الحكومي في صورته القائمة شكل عقبة كأداء في طريق الإصلاح الاقتصادي ولا سيما ما يتصل منه بتثبيت سعري الصرف والفائدة وأسلوب التعامل البيرقراطي مع الزبائن، الشروط اللازمة لإنجاح برامج الإصلاح الاقتصادي:
لقد كانت التوقعات أن تحقق نتائج برامج الإصلاح الاقتصادي نتائج غير مسبوقة تتصل برفع معدلات النمو وامتصاص البطالة واستقرار سعري الصرف والفائدة، بالإضافة إلى تحقيق فائض في موازين المدفوعات والتجارة الخارجية، ناهيك عن زيادة الناتج القومي وتحسين المستوى المعيشي للمواطنين، أي يفترض بها أن تحقق نجاحات مأمولة لاسيما في مجالات السيطرة على التضخم ورفع معدلات النمو.
لقد غلبت سياستا التثبيت والتكيف الهيكلي اعتبارات السياسات النقدية والمالية، أي خيار المدى القصير، على اعتبارات مواجهة الاختلالات الهيكلية الكامنة وراءها، أي خيار المدى البعيد، وحصلت مغالاة في تطبيق السياسات التمويلية لمواجهة استحقاقات الإنفاق الجاري بغية كسب رضاء السواد الأعظم في المجتمع بغض النظر عما ينتظر الأجيال القادمة من مصير جراء تطبيق مثل هذه السياسة.
وسياستا التثبيت والتكيف الهيكلي غالباً ما تطرح الرزمة متكاملة وليس كعناصر فرعية للسياسات قابلة للاختيار فيما بينها وأن القبول بها يعني التسليم المسبق بما يحتمل أن يترتب عليها من نتائج، وهذه السياسات غالباً ما تعتمد على أدوات التحليل النيوكلاسيكي الذي يركز على التأثير في المتغيرات النقدية ويعلق أهمية قصوى على العرض الكلي كوسيلة لتحقيق التوازنات المرغوبة والمطلوبة في الاقتصاد الوطني، والتحليل الاقتصادي النيولكلاسيكي يفاضل في مرحلة الركود التضخمي بين مكافحة البطالة ويغلب الخيار الأول على الخيار الثاني.
ومشروعات الإصلاحات الاقتصادية يفترض أن تنطلق من خلفية نظرية معينة وتستخدم آليات محددة حتى تحقق النتائج المعلقة عليها بما في ذلك قضيتي جلب التكنولوجيا وتوطينها وجلب الاستثمارات وتوظيفها في خدمة التنمية، لأن القضيتين مرتبطتان ببعضهما البعض.
الإصلاح الاقتصادي ليس قضية تقنية وحسب، بل هو قبل كل شيء قضية اجتماعية يفترض ألا تتسبب في تهميش القاعدة الشعبية وانحدار الطبقة الوسطى إلى الأدنى وأن تحول دون تعميق الاستقطاب الاجتماعي من خلال إعادة توزيع الدخل القومي توزيعاً عادلاً بين المواطنين، فالإصلاح الاقتصادي الحقيقي هو ذلك الإصلاح الذي يستجيب لاحتياجات الاقتصاد الوطني ويلبي الاستحقاقات الاجتماعية في آن واحد.
وحتى يكون الإصلاح كذلك كان يفترض أن يتم بموجب وصفة داخلية تعتمد على قرار وطني ووصفة داخلية بديلة عن وصفة الخارج وهي كما يلي:
× تحديد الميادين التي يفترض أن تتدخل بها الحكومة وتقييد دورها في المجالات التي لا ضرورة لها.
× مواجهة المتغيرات الاقتصادية الدولية.
× ترتيب العلاقة بين الداخل والخارج في ضوء المصلحة الوطنية وامتصاص الصدمات الخارجية.
× التكيف مع البيئة الاقتصادية الدولية، أي تدخل الحكومة في النشاط الاقتصادي للسكان عندما يكون ذلك ضرورياً.
× استخدام الروافع الاقتصادية عند الضرورة بعيداً عن النصائح التقليدية التي تشدد على رفع سعر الفائدة مثلاً أو تخفيضها، إذ لا بد من التعزيز بروافع أخرى لحفز الادخار والاستثمار.
× اعتماد رزمة من آليات التحكم بالعرض الكلي ورزمة بآليات التحكم بالطلب الكلي على السلع والخدمات، أي تبني حزمة من السياسات النقدية والمالية والهيكلية التي تصب في العرض الكلي من جهة وتتحكم بالطلب الكلي من جهة أخرى.
د.علي الفقيه
الإصلاحات الاقتصادية الحقيقية 1922