هاهو عيد الأضحى الذي اتفقنا على أن نلتقي فيه لنطفئ اشتياق أججه الغياب لسنتين يحل علينا بدونك.. فكيف لنا أن نفي بوعد قطعناه معاً وقد غيبك عني القدر في ليلة مشئومة؛ تلك الليلة التي صعدت فيها روحك الطاهرة وفتحت السماء ذراعيها كبسمة طفل تستقبل قدوم شهيد جديد..
مبارك.. وداعاً، لقد صرت ابناً وأخاً عزيزاً لكل من يبكونك معي ولكافة من يئنون من حولي بصمت ومن يجاهرون بالدموع ويجهشون بالبكاء ويعلنون رثائك كئيباً يعكر صفو السماء..
هذه الليلة تبدو مثقلة بالجراح والآهات.. والأنين لم يتمكن من فض زخم الغازات المحترقة بداخلي وقلبي يتلهف شَوقاً لِإطلالةِ اَلقَمَرِ المسافر معك، فكلنا بعدك جرح ينزف ألماً ودماً ..
خُطُواتِيَ تائهة ودروبي كلها حائِرَةٌ!!. أتساءل: "كَيفَ رَحلتَ؟! وأنا أَحتاجُكَ وَأتوقُ لِعِناقِكَ والكل هنا في البيت والمدرسة يشتاقون إليك، حتى أشيائك هنا تنتظر قدومك بغباء مثلي تماماً.
دَعنيْ أَصرُخُ إِلَيكَ " مبارك "؟!... عَلَّ اَلنحيب يطفئ اشتعال الفؤاد الملتهب بوداعك.. كل الزهور بهذا الغياب تَئِنُ وما عاد للعطر رائحة تفوح وَعَناقيدِ اَلعِنَبِ تبدو مثقلة بحزني لفراقك شقيقي الحبيب..
لا أدري كيف تمكن الموت من أن يشعرني بالضعف أمام وداعك، وفي هذه اللحظة الحالكة يعيدني إلى الماضي البغيض المشبع بالقبيلة وتقاليدها البالية..
مبارك.. الكل يحتشدون الليلة لمسيرة جنازتك المهيبة، ويدعون لنا ولكل أحبائك بالصبر والسلون، وأنا أعرف سلفاً أن كل أدعيتهم مردودة، فمن ذا الذي ينفع دعاؤه بموتك ومن ذا الذي يحزنني فراقه بعدك وقد خطفك القدر مني وأنت ملاك خُرافي الملامح؟!!..
الليلة جفوني مكسرة كهذه الكلمات التي اختنق بها الآن، منهارة كقصاصة الورق هذه التي أدون عليها رثائك.. لا أدري بأي دعاء أمد يدي، تخذلني حتى السماء ولم تعد تطيقيني الشوارع والأرصفة.. أواجه موتك واخسر هذا التحدي، أصرخ مثل المجانين وحدي، وأنا انتظر خروج جثتك البريئة من ثلاجة المشفى.
تركت أمك كوة من أسى وأبيك كناج من كارثة وكل أحبابك سئموا الحياة.. أحاول ألا أصدق موتك؛ ها أنت تدخل وتلقي علينا التحية وتطلب فنجان شاي، هذا فراش منامك وهذا مكان جلوسك وهذا هاتفك الخلوي يطلب منك الإجابة، يمارس هذا الغباء مثلي.. وهذه سجادة الصلاة هي الأخرى لم تستوعب رحيلك، ظلت ممدودة حيث كنت تصلي، منتظرة قدومك.. "لماذا رحلت مبارك"؟!..
ليلة رحيلك، كتبت شهيداً في السماء وأنت ذهبت تحمل غصن السلام وقنينة ماء لتروي بها عطش حبيب لدود العداوة، فسقاك القدر كأس المنون..
لا أدري لماذا غادرتني دون لحظة وداع وأنت مبارك حتى في لحظات غيابك.. ما زلت لم أستوعب موتك رغم أن اليقين رحيلك، هذا الرحيل الغبي لم يستطع إقناعي بأنك مُت وأن وجودك وهم؛ تراني في كل اللحظات أنتظر مجيئك.. ما زلت مخدراً بذكراك وكل أشيائك الحبيبة هنا تذكرني بك.. كم هي غبية أشياؤك هذه، لماذا لم تأخذها معك؟!.
رائحة ملابسك تعطر الأمكنة وتزرع هنا وهناك "مبارك"، وبريق عينيك يلمع في ذاكرتي كنقوش المساجد.. في الركن مكتبتك تشع بروح "مبارك"، رحلت أنت وأصرت على البقاء هذه المآثر؛ فهذه كتبك وهذه الدفاتر في الركن تأبى أن تنام وهذه الزهور تصلي حضورك ومدرجاتنا والحقول تردد بعدك أهازيج البقاء وزملاؤك والمدرسة يرتلون بذكراك نشيد الإخاء.. وهذه البذور التي زرعتها بيديك لم تُؤتِ أُكلها بعد، فكيف لرصاصة آثمة أن تحصد روحك الطاهرة قبل الأوان وكيف لي استيعاب مماتك وأنا حين أدعو: "فلان" أقول:"مبارك" وحيث أُدير العين تراك؟!..
13/9/2012م الليلة التي ازداد فيها بريق النجوم سطوعاً وتلألأت السماء مستبشرة بقدومك، وبكاك كل قلبي وكل من عاصروك والعيون يكاد الحزن يبيضها؛ فكل أحبابك هنا ومنهم أنا قلوبهم أدماها الأسى واعتصرها البكاء..
هاأنذا في غياهب الحزن أشعر بان نظام الأسرة مختل التوازن.. لن أسامح تلك الرصاصة اللعينة الغادرة التي اغتالت حياتك وأطفأت شبابك وأحرمتنا من نور حضورك وإن كانت رصاصة صديقة بيضاء بلون كفن..
حبيبي "مبارك" لم نلتقِ منذ سنتين ولن نلتقي مدى الحياة في الدار الدنيا، أيعقل هذا؟!.. لكنها مشيئة القدر، آمنت به وبقسوته، وما حيلة المكلوم بعدك سوى الإيمان بهذا القضاء وموافاة روحك الطاهرة البريئة بالدعاء، وهنا أسأل الله أن يتغمدك برحمته ويسكنك فسيح الفردوس ويكتبك مع الشهداء والصالحين ويضيء لك القبر ويجعله منزلاً رحباً من منازل أهل الجنة، إنه سميع مجيب الدعاء.
× رثاء الأخ/ مبارك هزاع ثابت الصمدي - رحمة الله تغشاه.
عبد الحافظ الصمدي
وداعاً مبارك..! 2437