لاشك في أن الأزمة الحالية هي أكثر الأزمات خطورة وأقساها، لكن الأوروبيين كما يبدو يخطون خطواتهم الأولى على طريق الاندماج السياسي الذي لا غنى عنه وشرط حيوي ليس لدوام اليورو وحده بل لمستقبلهم هم، فلا بد من اتحاد ضريبي واتحاد مصرفي والتوافق على حوكمة اقتصادية توثق عرى الاتحاد الأوروبي وتقوى بنيانه، فإما يبنى الأوروبيون مستقبلهم معاً وإما لا يكون لهم مستقبل.
بدأ الاتحاد الأوروبي بـ(6) دول في المرحلة الأولى واليوم (27) دولة (17)منها في منطقة اليورو وتعتبر النواة الصلبة التي تضطلع بدور القطب المغناطيسي الجاذب والمحرك الألماني ـ الفرنسي الذي يقوم بدوره الديناميكي وهو نواة النواة.
في بداية شهر أكتوبر أطلقت الدول الأعضاء في منطقة اليورو رسمياً آلية الاستقرار الأوروبية كوسيلة دائمة للتعامل مع الأزمات المالية لدول المنطقة، وآلية الاستقرار الأوروبية لديها قدرة مالية تصل إلى [700] مليار يورو و[913] مليار دور وتستهدف مساعدة الدول الأعضاء المتعثرة مالياً في مواجهة أزماتها المالية بما يحول دون تضرر الوحدة التنفيذية الأوروبية ككل من هذه الأزمات.. في هذه الخطوة يمكن القول أن أوروبا حققت تقدماً في اتجاه بناء قدرات متكاملة لمواجهة الأزمات وهذه الآلية تماثل قدرات صندوق النقد الدولي.. يذكر هنا أن حزمة إنقاذ القطاع المصرفي الأسباني تبلغ [100] مليار يورو والبرتغال بقيمة إجمالية تصل إلى [78] مليار يورو.
اتفقت (11) دولة في منطقة اليورو بداية شهر أكتوبر على المضي قدماً لتطبيق ضريبة مثيرة للجدل على المعاملات المالية تهدف لتحميل المتعاملين جزءاً من تكلفة حل الأزمة التي هزت منطقة العملة الموحدة، ففي اجتماع لوزراء مالية الاتحاد الأوروبي وافق عدد أكبر من الحد المطلوب وهو تسع دول على استخدام مادة في معاهدة أوروبية لإطلاق الضريبة، وتعرف هذه الضريبة بضريبة توبن بعد أن اقترح الاقتصادي الأميركي/جيمس توين ـ الفائز بجائزة نوبل ـ تطبيقها عام 1972م كوسيلة لتخفيف التعليات في الأسواق المالية وأصبحت الضريبة رمزاً سياسياً لرغبة واسعة النطاق في تحمل البنوك وصناديق التحوط والمتعاملين الأكثر نشاطاً جزءاً من تكاليف حل أزمة الديون.
وعزز الاتفاق إمكانية إطلاق مجموعة من الدول الأوروبية ضريبة مشتركة للمرة الأولى دون موافقة جميع دول الاتحاد السبعة والعشرين وهي خطوة تؤدي إلى تفتيت السوق الموحدة الأوروبية للخدمات المالية.
المفوضية الأوروبية أشارت إلى أن فرض ضريبة على تعاملات الأسهم والسندات والمشتقات بدءاً من عام2014م، قد يجمع ما يصل إلى [57] مليار يورو و[74] مليار دولار سنوياً، إذ تم تطبيقها في كل دول الاتحاد الأوروبي.
أوروبا اليوم تعيش في حالة تقشف نتيجة للأزمة المالية وتراكم الديون السيادية، حيث أكد رئيس البنك المركزي الأوروبي أن إجراءات التقشف الصارمة في أنحاء منطقة اليورو ضرورية إذا ما أراد تكتل العملة الموحدة احتواء أزمة الديون، ويجب على الأعضاء المثقلين بالديون في منطقة اليورو مواصلة إصلاحاتهم الاقتصادية، والحكومات التي تفرض استقطاعات مؤلمة على الإنفاق يجب أن تدرس التأثيرات الاجتماعية لخططها، حيث أدت الاستقطاعات الكبيرة إلى اندلاع احتجاجات شابها العنف في أسبانيا واليونان والبرتغال وعلى الرغم من أن التقشف ضروري لخفض مستويات الدين والعجز، إلا أنه أعاق النمو في بعض الدول.
هامش:
1. الحياة العدد [18079]3/10/2012م
2. الاتحاد الاقتصادي 10/10/2012م
3. الاتحاد الاقتصادي 11/10/2012م
د.علي الفقيه
آلية الاستقرار الأوروبية وضريبة المعاملات المالية 1917