القارة الأوروبية تعاني من مشكلات عديدة لعل أبرزها الديون السيادية وتقليص النفقات العجز في الميزانية والبطالة ذات المعدلات المرتفعة.
لكن ثمة مشكلة أعظم من مشكلات هذه الدول تعتري أوروبا ومدارها - أي فرنسا - التي طالما كانت نواه اليورو والاتحاد الأوروبي, فالرئيس ميتران رفع لواء العملة المشتركة لتعزيز مكانة بلده في أوروبا ولإبعاد هيمنة ألمانيا الموحدة على القارة القديمة, فحصدت فرنسا ثمار اليورو ومعدلات فائدة منخفضة ونجاحاً تجنب مشكلات انزلقت إليها دول الجوار المتوسطي الأوروبي, لكنها قبل شهر مايو الأخير وانتخاب فرنسوا هولان تركت مقاليد الأزمة لألمانيا, فأخذ الاقتصاد الفرنسي يميل اليوم إلى الهاوية لقد أماطت أزمة اليورو اللثام عن نقاط ضعف فرنسا: ففي الأعوام الماضية كانت قدرتها التنافسية تتضاءل قياساً إلى ألمانيا وتعاظمت الهوة بين البلدين منذ بادر الألمان إلى تقليص النفقات والقيام بإصلاحات كبيرة وتلجأ باريس إلى الاستدانة في وقت لاتملك تخفيض سعر عملتها وفي حين نجحت الدول الأخرى الأوروبية في تقليص وزن أعبائها في الموازنات تبلغ حصة الدولة الفرنسية في الموازنة العامة نحو 57% من الناتج المحلي وهي النسبة الأكبر في منطقة اليورو.
وعجزت فرنسا منذ 1981م عن تقويم خلل موازناتها العامة وفتعاظمت نسبة الدين العام 22% من الناتج المحلي إلى 90% اليوم وتدهورت ظروف قطاع الأعمال.. بالشركات الفرنسية تضطر إلى إلتزام قانون عمل صلب يفتقر الليونة وتسديد ضرائب مرتفعة ودفع بدل ضمانات اجتماعية وأحمال هذه هي ثقيلة ملقاة على عاتق الشركات في منطقة اليورو, لذا لم تعد شركات جديدة تبصر النور.. الاقتصاد الفرنسي كاسد وقد ينكمش ونسبة البطالة تتجاوز 10% وتفوق 25% في أوساط الشباب وموازنة الدولة الفرنسية هي الأكثر عجزاً في منطقة اليورو وعدد كبير من شركات هذا البلد خرج من حلبة التنافس الاقتصادي وجهاز الدولة الإداري, فتضخم وينفق أكثر مما يملك.
الرئيس الفرنسي لم ينكر انحسار قدرة بلاده التنافسية والتزام تقرير غالوا وهو يريد تليين أوصال سوق العمل أي تيسير التوظيف ضعيفة على رغم فداحة المشكلات الاقتصادية لفرنسا.. فقد اتخذ إجراءات منها رفع الضرائب 75% على العائدات التي تفوق مليون يورو, والضرائب على الشركات وعلى عائدات رأس المال والأرباح, وزاد راتب الحد الأدنى وعاد جزئياً عن إصلاح سن التقاعد.
مستقبل فرنسا ليس وحده على المحك, بل مستقبل اليورو كذلك, الرئيس الفرنسي طعن في رؤية المستشارة الألمانية, حيث أقترح إلزام الدول تقليص النفقات, لكنه أحجم عن دفع قاطرة الاندماج السياسي إلى الأمام, لأن هذا الاندماج مهم لتذليل أزمة اليورو. وتبرز الحاجة إلى تعزيز الرقابة الأوروبية على السياسات الاقتصادية الوطنية, ولم تخفِ باريس مضضها إثر مصادقتها على الاتفاق الضريبي الذي يعزز سلطات بروكسل على الموازنات المالية.. والسؤال الراهن كيف إخراج فرنسا عن السكة التي تسير عليها منذ 30 سنة وإلا تخسر ثقة المستثمرين ومزاج الأسواق متقلب وسريع التغيير وقد تحط الأزمة رحالها في فرنسا قريباً وليس مستبعداً أن تبلغ إرتدادات أزمة العملة الموحدة باريس.
مصير اليورو في يد فرنسا والوقت ينفذ أمام الرئيس لنزع فتيل القنبلة التي تهدد قلب أوروبا.
هامش:
1- الحياة العدد "18135" 28/11/2012م
2- الإتحاد الإقتصادي 29/11/2012م.
د.علي الفقيه
فرنسا اقتصاد يترنح وعملة موحدة تتفسخ 1767