كم نتمنى لو أننا توفقنا عن استخدام كلمات وعبارات أدمناها طوال السنين الطويلة الماضية وكلها تتكلم عن (الوفاء)، مع أن الوفاء عز في هذا الزمن الذي أصبح الوفاء فيه معدوماً لم يعد الوفاء بالوعود والإخلاص بمواثيق العهود شيمة يتغنى بها المغنون وينشد هواها المادحون، إلا في هذا الزمان الذي ضاع فيه الحق واختال به الباطل عند اللئام وانقلبت فيه موازين الكرام وتبجح بالنكران رجال أو قوم كنا نعدهم من المقربين الأخيار ها هي الأيام تسير وتمشي للأمام ويسير بها ركب من الرجال منهم الكرام ومنهم اللئام، منهم المخلصون ومنهم النفعيون، منهم الأوفياء ومنهم الغادرون الناكرون للجميل والناقضون للعهود والناكثون للوعود إنهم أمة أحلوا قومهم دار البوار، في كل زمان، وفي كل مكان تطل علينا أمة من الناس تتلون بلون الأيام، تتغير وتتبدل وتمشيا ونفاقاً مع متطلبات العصور والأزمان تسير في ركب النخبة الأبرار وتتصدر مجلس الصفوة الأخيار، تفتي بما لا تعلم وتحكم بما لا تفهم، تناقش بما لا يناقش وتستدل بما لا يستدل به ويتظاهرون بزهوة الملبس وعلو المكان.. وتثبت لك الأيام أنهم متسلقون لاهثون وراء مصالحهم الرخيصة، متنكرون إلى كل من ساعدهم أو مهدٍ لهم سبيل الوصول أو مد لهم يد العون، لأنهم لا عهد لهم ولا ميثاق، لا أمن ولا أمان.. إنهم الوصوليون الذين رخصت كل وسيلة لديهم من أجل الوصول إلى سلم المجد، فهم لا يطئون أعتابه إلا وقد قبلوا الأيادي والرُكب والأقدام ولم يدخلوا مدخله إلا وقد أريق ماء وجوههم في كل ساعة وفي كل يوم من الأيام.. يرقصون على جراح الغير ويطربون على الأنين، في كل عرس لهم قرص ولهم نصيب من جيب كل غريب أو حبيب، يسعون ولو على حساب كرامتهم من أجل الوصول لمبتغاهم بشتى السبل، فهم الذين يبيحون لأنفسهم استخدام جميع الوسائل لارتقاء أعلى المراكز، يضعون كرامتهم غير المصانة في أرخص الموازين للوصول على أعتاب النخبة والمتنفذين ولا حرج في ذلك، لأن الغاية تبرر الوسيلة في قاموس الوصوليين.. المتسلقون لا ينظرون إلى الخلف كي لا يروا من آزرهم وساندهم للصعود إلى القمم، لأنهم ليسوا أهلاً لذلك ولو كانوا أهلاً لذلك لنظروا إلى السطح بعد وصولهم ليروا من كان السبب في وصولهم.. الطامع الشره لا يشبع ولا يقنع لأنه ليس لقناعته وجود ولا لطمعه حدود وليس بذاكرته للوفاء وجود، فهو على بلادته جلود ولم يعد يميز بين صديق ودود ولا عدو لدود، هؤلاء ابتلي بهم المجتمع أي ابتلاء، لأنهم المرض الاجتماعي الحقيقي، فهم من مصالحهم يتكلمون بكل صراحة وينكرون على غيرهم بكل وقاحة وأموال العامة لديهم مستباحة.. والله المستعان.
أحمد عبدربه علوي
الناكرون للجميل 1503