الشيخ سلطان زعلان للغاية، ما الذي أغضبه وجعله يكفر بالرئاسة والحكومة والحوار ورئاسته وأمانته وحتى مقرراته ؟ لماذا الشيخ غاضب، هائج، جاحد، رافض وبشدة أخونة الدولة – أعد ذاتي متضامناً معه في هذه الجزئية – مستاء، ساخط جداً ؟.
تكتشف في النهاية حقيقة القيادي العتيق الذي لم يكن سوى صورة بائسة معبرة عن نظام قبلي عائلي فاسد يعاني من حساسية مفرطة من مفردات ثورية ما فتأت تصف الرئيس السابق بالمخلوع ومن الكلام عن فلول وأهداف ومبادئ ثورية ينبغي استكمالها ومن مسمى الثورة ذاته المستفز والمهين، فهذه المسميات جميعاً – والحديث هنا للبركاني – خلافاً للمبادرة التي أسمتها أزمة لا ثورة، ولولا أنها أسمتها أزمة لما كان المؤتمر والقوى السياسية والوطنية الآن في مؤتمر الحوار.
حوار كامل أجراه الزميل نبيل الصوفي مع سلطان البركاني وبثته قناة " اليمن اليوم " المملوكة من نجل الرئيس صالح وأعادت نشره صحيفة الأولى الأربعاء الفائت وعلى مساحة ثلاث صفحات. وعلى فرضية أن رئيس الحكومة في جيب الشيخ حميد الأحمر؛ فإنني وبعد قراءتي لمجمل ردود الشيخ سلطان كنت قد خلصت لنتيجة واحدة تؤكد حقيقة أن البركاني ليس إلا لساناً ناطقاً عن الرئيس صالح.
نعم؛ فتشت في محتوى إجابات البركاني؛ فلم أعثر عليه غير في جملة واحدة وردت كخاتمة للحوار، وقتها قال: نحن قد وصلنا الى قناعة أنه ماذا بوسعنا صناعته لأبنائنا بعد ان كنا ولو مخطئين ننظر ماذا نحن صانعون لأنفسنا ؟ غير هذه الجملة الهامشية يمكن القول بان جل ما تحدث به الرجل يتنافى شكلاً ومضموناً مع سياق وجوده كقيادي بارز في تنظيم سياسي مازال ممسكاً لمعظم خيوط اللعبة السياسية, علاوة بكونه شريكاً وحليفاً رئيساً في الحكومة وهيئات الحوار الوطني؛ بل ورئاسة الدولة التي وفي كافة الأحوال تبقى بيد شخص يمثل المؤتمر الشعبي العام.
حوار طويل عريض يمكن وجزه بأربع كلمات مثيرة لحساسية النظام القبلي العائلي العسكري "الاوليغاري"، هذا النظام لديه حساسية مفرطة من مفردات ثورة وأهداف وبقايا ومخلوع، وبالطبع جميعها مفردات ثورية تتقاطع- رأسياً وأفقياً- مع طبيعة النظام السابق المستميت اليوم في مناهضته لعملية الانتقال السياسي ولو اقتضى الأمر منه استخدام كل أساليبه وفنونه وحيله القديمة والجديدة كيما يفشل الحوار وكي يثبت للجميع بقدرته الخارقة على حكم اليمن واليمنيين.
كلام البركاني لا علاقة له بالمؤتمر كشريك وحليف في الحكومة والبرلمان والحوار وحتى الرئاسة المؤقتة؛ إنما المسألة برمتها لها صلة برأس النظام - المفترض أن يكون سابقاً– وبرموزه الكلاسيكيين الفاسدين المنافحين بعصبية وصلف كي تتعثر عجلة التحول السياسي، فبرغم تحفظات الكثير حول الحوار ومساوئ مساره الشاق والمنهك، وكذا تشعب قضاياه وتناقض مكوناته، ناهيك عن توجسات ومخاوف تتعلق بمخرجاته وسبل تجسيدها في واقع كهذا الذي لم تستطع فيه الدولة تأمين أنبوب نفط أو برج كهرباء.
ومع قتامة الحالة؛ هنالك آمال وأحلام تقع على كاهل مؤتمر الحوار وعلى عاتق الرئاسة والحكومة الانتقاليتين، كأن التخريب والإرهاب والنهب والفساد والتقطع وسواها ليست كافية وسيلة مجدية لزعزعة وإحباط عملية الانتقال السياسي!.
كأن مليونيات حراك الجنوب وحشود أنصار الله وتهريب السلاح والمال واغتيالات مستمرة للضباط والجنود وعمليات إرهابية وانقسام وتمردات في صفوف الجيش والأمن؛ كأنها جميعاً ليست كافية لتخريب وتدمير عملية الانتقال, فيستعاض عنها بأدوات أكثر فاعلية لتخريب مسيرة الحوار الوطني باعتباره أخر الممكنات التي يعول عليها إنقاذ البلاد من أتون احتراب لا يبقي أو يذر شيئاً إلا وأهلكه ودمره!
نعم؛ فمفردات مخلوع وثورة وبقايا نظام ومبادئ وأهداف وحوار وعدالة انتقالية ودستور، فكل هذه المسميات بلا شك ثورية، والثورة بتعريفها البسيط تعني لحظة فاصلة يتقاطع فيها العهد الجديد مع عهد مضى كماً ويكون هذا الجديد فاتحةً ومستهلاً لعهد قادم مختلف عما سبقه.
فلو أن الرئاسة والحكومة الانتقالية أجهدا ذاتهما للتماهي نسبياً مع محيط لم تهمد ثورته؛ لكنا قلنا: يبدو أن الحرس القديم انتابه شيئاً من الفزع حول نفوذه المهدد بخطر انتظار ريثما يقرر مؤتمر الحوار، لذا استنفر قواه وبدأ بالتلويح بعصاء الانسحاب من الحكومة والحوار، وتارة بالتصريحات الصحافية، أو التسريبات المربكة، وتارة أخرى بافتعال المشكلات وبالتهديد والوعيد لكل من يقترب من رأس النظام السابق ورموزه، أو يفكر بمحاسبتهم وعقابهم أو ينال من مكاسبهم وثروتهم ونفوذهم.
ختاماً أطمئن يا شيخ سلطان؛ فكل من حولك مثلك يخشى على نفسه من الثورة، يتحسس رأسه كلما سمع كلمة ثورة أو فلول نظام، لست وحدك من ينافح لبقاء الوضع تحت السيطرة، كما ولست المستفيد الوحيد، ولست المخلص الوحيد، فأغلب الظن أن القرش الأبيض المدفوع في عز حكم صالح بمقدوره حفظه في اليوم الأسود، بل وأكثر من ذلك, إذ بمستطاعه إحالة ثورة عظيمة إلى مجرد بقرة كاثرة الخوار، كسيحة، هزيلة، عاقرة، عديمة النفع والفائدة.
فعلامَ هذا الهلع والخوف غير مبررين ؟ لقد قلت بانك لست من أصحاب المصالح ولا ممن اكتسبوا وهربوا، ولا ممن بقوا؛ فطالما وأنت كذلك؛ فلماذا إذن لا تدع أرباب الثورة يعبروا عنها وفقاً والطريقة التي يرونها مناسبة ؟
فالثائر وفق تعبير الكاتب يوسف إدريس: صنف نادر، ليس سهلاً أن نجده، ومستحيل خلقه، وطينته غير طينة البشر، إنه الكائن بين المثل العليا والناس، انه راهب الفكر، قديس الرأي، نبي القيمة، الواهب عمره وما هو أكثر من حياته ليحقق آمال الرجال وآماله، انه كلمة، وموقف، ومُثل.
انظر في وجوه الثائرين على النظام العائلي الفاسد؛ فلا اعثر على ربع أو نصف ثائر، فجل ملامح هؤلاء لا توازي فكرة شاب نقي وهب حياته قرباناً لغاية نبيلة ومثالية لا يدرك بقيمتها البركاني أو سواه من أدعياء التغيير والحوار من أجل وطن جديد.
محمد علي محسن ردمان
علامَ هذه الحساسية يا شيخ سلطان ؟! 1433