نشرت صحيفة السفير اللبنانية المقربة من نظام الأسد وإيران تفاصيل عن برنامج تصعيدي لحركة تمرد البحرينية تعتزم إطلاقه منتصف أغسطس/آب الجاري, وهي الحركة التي أُعلن تأسيسها بعد نجاح حركة تمرد المصرية كترس استخدمه الفريق السيسي في إسقاط النظام الحاكم بقيادة الرئيس المنتخب محمد مرسي.
هذه الحركة تحظى بدعم ورعاية من إيران على الأقل سياسياً وإعلامياً، وهي امتداد طبيعي لما اصطبغت به أحداث 14 فبراير/شباط البحرينية 2011، والتي لم تنته أزمتها بعد في ظل فشل عدة دورات من الحوار الوطني، وسط اتهام متبادل بين المعارضة الشيعية بقيادة جمعية الوفاق وبين حكومة المنامة.
ورغم أن دول الخليج, ومنها المنامة, لم تصدر بيانات قوية في هذا الاتجاه تجنباً لإعطاء زخم كبير لحركة تمرد البحرينية, إلا أن القلق الشديد يمكن رصده في الشارع، وفي برنامج المواجهة الرسمي الاحتياطي لمواجهة الحركة في الميادين الاحتجاجية، والتي تطرح خيار البديل الوحيد لمشروع المعارضة البحرينية اليميني وهو إسقاط النظام الحاكم لأسرة آل خليفة, وهذا المشروع هو في الأصل الهدف لما سمي بالتحالف الثلاثي في أحداث 14 فبراير/شباط 2011 الذي قاده المعارض حسن مشيمع, وأعلن حينها جمهورية بديلة، تعتمد على نموذج استدعاء الفقه الطائفي للجمهورية الإيرانية، بديمقراطية صورية.
وقد حاولت بعض المصادر نفي ذلك, خاصة أن طرح التحالف الثلاثي في حينها كان يقود صوت الشارع حتى فشلت محاولاته الثائرة على نظام الحكم بعد دخول قوات درع الجزيرة وفض اعتصام اللؤلؤة، ووقوف الحالة الوطنية السنية في حركة الفاتح كشارع يرفض إسقاط نظام الحكم وإقامة الجمهورية البديلة.
ولم يكن هناك فرز في الشارع بين جمهور حركة مشيمع وجمهور حركة الوفاق في حينها, بل ذات الشارع كان يتحرك بالجملة باسم التوجهين, وحين اعتقلت قيادات التحالف الثلاثي, برزت قيادة الوفاق السياسية التي دخلت في جولات جديدة من المفاوضات، يعلن تقدمها ثم يعلن فشلها سريعاً.
وكانت الوفاق تُجدد طرحها لمشاركة سياسية تنتهي بغالبية شيعية في الحكومة، وفسح المجال أمامها للتوسع في الحكم التنفيذي والسلطة التشريعية وتغيير رئيس مجلس الوزراء بالتوافق معها.
والتوافق الذي كان يبرز هو اتفاق الطرفين على إبعاد الحراك الوطني السني من جولات الحوار الثنائية, خاصة بعد التصدع الذي تعرضت له حركة الفاتح وأزمتها الداخلية المستمرة ضمن إشكالية الموقف الوطني السني غير الموحد ورؤيته لمخرج الأزمة.
في كل الأحوال تُشابه مهمة تبادل الأدوار على قيادة الشارع الشيعي في البحرين اليوم بين حركة تمرد وجمعية الوفاق، تلك الأجواء بين التحالف الثلاثي وقيادة الشيخ علي سلمان, لكن الظروف تغيرت، والبعد الطائفي تجذر، واشتراك الحراك الشيعي البحريني واندماجه في الصف السياسي وبعض الميداني مع المحور الإيراني ضد الثورة السورية أضحى واقعاً أمام الرأي العام في المنطقة، وتمايزت الفكرة بصورة كبيرة على أساس طائفي صارخ, ولم تعد إيران تبدي قلقاً من بروز هذا الاندماج، بل ربما أعطت مؤشرات تعززه، من أجل ترسيخ لغة وقوة المحاور وأوراقها في إقليم الخليج العربي ومعركة الشام الكبرى..
وبالتالي فإن صعود حركة ومشروع تمرد البحرينية المتوقع يدخل في هذا السياق، الذي يأتي في ظل ما تعتقد طهران وبعض المراقبين أنها مرحلة صعود للمشروع الإيراني المركزي رغم أن الثورة السورية لا تزال تمثل قوة ممانعة ميدانية قوية في المنطقة ضد هذا المشروع.. لكن المؤكد أن هذه التطورات التي جرت مؤخرا خدمت المحور الإيراني كثيرا وبعضها بأيد خليجية.
وقد أكدت أنباء من بيروت علاقة تمرد البحرينية بتمرد المصرية والتي تحمل نزعة تشيع متطرف واضحة، وتعلن رفضها للثورة السورية، وتفتخر بعلاقتها بحزب إيران اللبناني, وهو ما يعني أن نقل تجربة الحركة التي رعاها الفريق السيسي إلى الضفة البحرينية أمر متوقع من خلال هذه العلاقة.
ومن المفارقات أن الاحتفاء الخليجي بإسقاط تمرد المصرية لنظام ما بعد ثورة يناير/كانون الثاني 2011 كان واضحاً في عدة دول بما فيها البحرين من خلال موقف وزير الخارجية الشيخ خالد الخليفة في تغريدة له على موقع تويتر.
ومع الرعاية الكبيرة والدعم المادي من إمارة "أبو ظبي" التي أظهرت رمزية حضورها في صورة لقاء وزير الخارجية الشيخ/ عبدالله بن زايد الحميمي مع قيادات تمرد المصرية, فإن استفادة تمرد البحرينية من تمرد المصرية تبرز في اتجاهين:
الأول في التجربة ذات الأثر المشترك وتبادل الخبرات والإمكانيات.
والثاني: وهو المهم, وهو أن النظام الذي قام في مصر بعد إسقاط نظام الرئيس المصري المنتخب محمد مرسي كان نظاما معاديا للثورة السورية، سواء بتصريحاته الرسمية في مصر، أو علاقاته الإيجابية وجسور التواصل التي مدها مع إيران وخاصة من طرف التيار الناصري وحركة تمرد.
ورغم كل ما يُقال عن بعض الثغرات الصغيرة في حكم الرئيس مرسي لمواجهة النفوذ الإيراني, إلا أن ما وضح بعد ذلك أكد أن حكم الرئيس مرسي -الذي شارك محور خليجي في إسقاطه- كان خصما حقيقيا للنفوذ الإيراني, وأن إسقاطه عزز من صعود طهران، ومن قدرتها على استعادة قوة الضخ لديها للتقدم الاستراتيجي في اليمن وسوريا، والتقدم بثقة نحو الخليج العربي الذي خدمها كثيراً في اللحظة الحاسمة.
أما الواجهة الثانية لمسار هذا الزحف فهي الإحباط الذي برز في تصريح رئيس الائتلاف الوطني السوري الحالي الشيخ أحمد الجربا -الزعيم العشائري والوطني- من تراجع دول الخليج عن تسليح الثوار التسليح النوعي المطلوب لهيئة الأركان والجيش الحر، رغم أن الشيخ الجربا مثل الخيار المقرب من دول الخليج.. وهذا يعزز نشوة التقدم الإيراني، والتحرك لاستثمار أوراقه بالخليج مباشرة لتحقيق مصالحه, ورد موسكو القاسي على مبادرة الأمير بندر بن سلطان بشأن التوافق على حكم انتقالي، وتسريبها لموقفها.
هذه المعطيات تعزز من زخم الصعود القوي للنفوذ الإيراني المتحالف مع موسكو, في حين تساهم في تراجع طرح مشروع الأمير سعود الفيصل لتسليح الجيش السوري الحر مباشرة، والتعامل مع الصعود الإسلامي الوطني فيه واقعيا, وهو ما كان يضمن تقدم الثورة السورية في توقيت مهم نهاية العام الماضي.
كل هذه النتائج تنظر إليها طهران باعتبارها أرضية تدفع بها لنقل قواعد اللعبة من الدفاع إلى الهجوم, وليس بالضرورة أن يكون المقصود نجاح حركة تمرد البحرينية في الولوج إلى مرحلة إسقاط الحكم في المنامة كليا، لكنها تشكل بيدقا مهما لتحريك المشروع الإيراني لخدمة نفوذها في الإقليم وتحصينه، ومساعدة نظام الأسد على إحراز تقدم أمام الثوار.
وإن كان صمود الثورة يتحقق اليوم ببنائها الذاتي رغم كل الخذلان الذي تعرضت له, إلا أن هذا الزخم يساعد طهران كثيراً, خاصةً في ظل نجاح إمارة "أبوظبي", في نقل ملف الاحتقان الوطني إلى دول أخرى في الخليج العربي, وإشعال مواجهة سياسية وأمنية مع القاعدة الشعبية الإسلامية, وتراجع ملفات الإصلاح الحقوقي وتأزمها. وكلها رسائل تفتح المجال لنفوذ إيراني أكبر، ساعدته سياسات خليجية تندفع له بصورة خطيرة وكأنها تردد بلسانها على ذاتها "على نفسها جنت براقش".
الجزيرة
مهنا الحبيل
في الزحف الإيراني الجديد على الخليج 1638