;
فهمي هويدي
فهمي هويدي

دم المصريين الرخيص 1348

2013-08-20 07:11:01


لو أن مواطناً بريئاً وحسن النية يتابع أخبار مصر من الخارج قرأ تصريحات الدكتور حازم الببلاوى التي أعلن فيها رفض المصالحة ومصافحة الذين تلوثت أيديهم بالدماء، فإنني لا استبعد ان تدفعه براءته إلى إحسان الظن به، متصورا انه سوف يلحق بالدكتور محمد البرادعى، ويعلن استقالته إعرابا عن رفضه فض الاعتصام بالقوة، ومن ثم رفضه مصافحة الفريق عبدالفتاح السيسى وزير الدفاع واللواء محمد إبراهيم وزير الداخلية، باعتبارهما مسئولين عن قتل أكثر من ألف مواطن مصري حتى الآن، وجرح أكثر من أربعة آلاف. وربما شجعه على ذلك الظن أن الدكتور الببلاوى سبق أن استقال من حكومة الدكتور عصام شرف احتجاجا على قتل بعض الأقباط في أحداث ماسبيرو. وإذا ما قيل لصاحبنا هذا ان رئيس الوزراء شكر الرجلين واثنى على دور رجال الشرطة كما قدم عزاءه لأسر شهدائهم الذين بلغ عددهم نحو ستين شخصا، فأغلب الظن أنه سيبدى دهشته ويتساءل: ماذا عن دماء الألف الآخرين؟.
هذا السيناريو ليس كله افتراضيا، لأنه من وحى الأجواء الراهنة التي يذكر فيها شهداء الشرطة بخير يستحقونه لاريب، إلا انه يتم تجاهل الألف مواطن الذين قتلوا خلال الأسبوع الأخير، وحين تطرق وزير الداخلية إلى الموضوع في مؤتمره الصحفي فإنه اعتبر الأولين شهداء لكنه تحدث عن الآخرين بحسبانهم موتى. ولم يذهب إلى ما ذهب إليه آخرون ممن اعتبروا ان هؤلاء الاخيرين مصيرهم الجحيم!
الخلاصة التي يخرج بها المرء من هذا المشهد ان الدم المصري عند أركان السلطة القائمة ليس شيئا واحدا، بحيث انه إذا كان كل المصريين مواطنين، إلا أنهم ليسوا سواء، فهناك مواطنون مرضى عنهم من ذوى الدم الغالي، وهناك آخرون من المغضوب عليهم دمهم رخيص. وهذا بدوره ليس افتراضا أو افتراء، لأن أحد الصحفيين كتب قائلا انه ليس كل دم المصريين واحدا، لأن دمهم ــ يقصد الإخوان ــ صار ملوثا بحكم انتمائهم، وبالتالي فإنه لم يعد في صفاء وطهارة دماء بقية المصريين.
مثل هذا الكلام الذى يردد خطاب النازيين يمر على كثيرين ويقبل به وربما أيده البعض، دون إدراك خطورته أو مآلاته، خصوصا تأثيره على التعايش والسلم الأهلي، ثم إنني لا أعرف بالضبط صداه في أوساط ذوى الدماء الملوثة حين يريدون أن يستردوا اعتبارهم ويدافعوا عن وجودهم.
أفهم ان شيطنة المخالفين مطلوبة في الوقت الراهن ليس فقط لإقصائهم وإخراجهم من الحياة السياسية، وإنما أيضا لتبرير اجتثاثهم واقتلاعهم من الواقع المصري. إذ حين يتظاهر أولئك المخالفون أو ينظمون اعتصاما سلميا فإنه يصبح مطلوبا اتهامهم بالإجرام والإرهاب وممارسة القتل والتعذيب وحيازة الأسلحة الثقيلة والكيماوية وغير ذلك، باعتبار ان الترويج لمثل هذه الشائعات يوفر الغطاء السياسي والقانوني للتعامل معهم بقوة السلاح، لأنه في هذه الحالة يصبحون في مواجهة حالة جنائية وليست سياسية، لكن الغلو في هذا الاتجاه إلى الحد الذى تجرح فيه قيمة المواطنة لدى المخالفين يزرع بذور فتنة كبرى تفتح الباب لشرور لها أول له ولا آخر.
ان الدعايات المسمومة التي يروج لها داخل مصر لتمزيق أواصر المجتمع والنيل من إنسانية بعض مكوناته تقابل بالدهشة من جانب السياسيين الغربيين الذين يتوافدون على القاهرة هذه الأيام. ومن يقرأ التقرير الذى نشرته جريدة نيويورك تايمز يوم السبت 17 أغسطس الحالي، وأعده ثلاثة من كبار محرريها، يلحظ تلك الدهشة والاستغراب من المنطق الذى يتحدث به مع الأجانب بعض كبار المسئولين المصريين هذه الأيام، وهو منطق اعتبروه «كارثيا». وقد روى أولئك الصحفيون كيف أن واحدا من أولئك «الكبار» حث ضيفا أمريكيا قدم إلى مصر مؤخرا على عدم مخاطبة الإخوان بحجة انهم لا يحترمون القانون. فما كان من الضيف الأمريكي إلا أن قال له انه ليس بوسعك أن تحاضرني في القانون لأنك توليت منصبك من خارج القانون ولم تأت بك أصوات الناخبين.
إن غرور القوة وحسابات اللحظة التاريخية التي جعلت المسئول لا يرى أبعد من موضع قدميه تكون أحياناً على حساب المشاعر الإنسانية التي ينبغي ألا يتخلى عنها العقلاء والراشدون، الأمر الذى يدعونا إلى تذكيرهم بأنه ليس المهم أن يكون الشخص مؤيدا أو معارضا، وإنما الأهم ان يظل في كل حالاته إنسانا له الحق في الكرامة، حتى إذا أجهض حقه في الحلم.
من صفحته على الفيس بوك

الأكثر قراءة

الرأي الرياضي

كتابات

ياسمين الربيع

2024-12-25 22:01:31

رهانُ الحزم..

كلمة رئيس التحرير

صحف غربية

المحرر السياسي

سيف محمد الحاضري

2024-10-14 03:09:27

القضاء المسيس ..

وكيل آدم على ذريته

أحلام القبيلي

2016-04-07 13:44:31

باعوك يا وطني

أحلام القبيلي

2016-03-28 12:40:39

والأصدقاء رزق

الاإصدارات المطبوعة

print-img print-img
print-img print-img
حوارات

dailog-img
رئيس الأركان : الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر

أكد الفريق ركن صغير حمود بن عزيز رئيس هيئة الأركان ، قائد العمليات المشتركة، أن الجيش الوطني والمقاومة ورجال القبائل جاهزون لحسم المعركة عسكرياً وتحقيق النصر، مبيناً أن تشكيل مجلس القيادة الرئاسي الجديد يمثل تحولاً عملياً وخطوة متقدمة في طريق إنهاء الصراع وإيقاف الحرب واستعادة الدولة مشاهدة المزيد