ليت هناك ما نواري به سوءة ثورتنا، وندثر به أعمارنا المتبقية، فكل يوم يمر دون الوفاء لكم، أشعر بغصة لا أكاد أستسيغها، ينتابني شعرور أن ثورتنا منقوصة الكرامة، إذ أنها عجزت عن القصاص لأبنائها، مسلوبة العدالة. اليوم في ذكرى خلودكم في صفحات التأريخ، يوم رُسمت بدمائكم الطاهرة خريطة المستقبل المشرق، كنتم تتسابقون إلى الموت في سبيل الدفاع عن آمالنا، تضحون بأغلى ما لديكم، تدفعون الضريبة وتمهدون طريق الغد المشرق أمام الأجيال القادمة، لم تخافوا من الموت بل إياكم كان يرهب، إن دماء سفكت لتسقى الأرض فينبت شجر الحرية، أحق بالخلود في ذاكرتنا.
لقد ذهب خيرة أبناء هذا الوطن أكثر من 150 بطل، هم ضحية عنجهية النظام البائد، لقد ذهب خيرة من حمل راية الثورة وتبقى، قليل من العجزة يساومون بدمائكم، يتباكون في أماكنهم، يخرجون ساعة في نفس يوم وداعكم لهذا الوطن، يظنون بذلك أنهم انتزعوا حقاً، أو أقاموا حداً، انتهازيون تنازلوا عن أعظم ما يمكن أن نعبر به للوفاء لكم وهو القصاص ممن وجهه بندقيته دون رحمة إلى صدوركم العارية، اليوم القاتل يرقص على قبوركم منتشي بحصانة لعينة، قدموها إليه دون الشعور بأدنى مسؤولية أمام الله وأمام التأريخ، لا معذرة لنا يوم نلقاكم إن لم ننتصر للدماء التي سفكت دون وجه حق.
لن نعزيكم اليوم، فنحن أحق بالعزاء، فقد ذهبتم إلى خير ما نحن عليه، رحلت أرواحكم الطيبة قبل أن تقف على حلم لم يكتمل، وتقاسم وتجارة، وبيع للمبادئ. لم تسلم حتى دمائكم من أسوق الابتزاز السياسي، لقد أغمضتم أعينكم قبل أن تروا الوطن يتمزق ، فيصبح كيان مهترئ مفكك.
إن الرثاء اليوم هو العيب الذي نقترفه وسنضل كذلك، طالما قاتلكم يطير بجناحين صنعها له رفاقكم ورفاقنا. وكان أحق بنا أن لا نعود ولا نمسح دمعة سقطت حزنا عليكم قبل أن نقتص لأنفسكم الطاهرة، وتتحقق العدالة، لتستقر أرواحكم ويسكنها الهدوء والطمأنينة.
سيذكر التأريخ أن مجرماً قتل شعبه دون رحمة، لم يفرق بين أنس ذو العشرة أشهر وبين المسن، لم يزهد بسفك دماء. وكذلك لن ينسى التأريخ أن هذا الشعب فرط بالدم وأعطى المجرم حصانة، للفرار من وجهة العدالة.
دعونا نبكي بدموع الحسرة، على فرصة ضاعت في مستنقع القوى السياسية، وما زال رفقاء الثورة يتمجدون بالوهم حتى لا يصارح أحدنا نفسه بأننا ما كنا إلا وقود ثم شهدنا أنهم مروا من هنا، لقد أصبح الكثير منا بعد الثورة يلجأ إلى التنظير، وعاجز عن الحركة، أصبحنا عبارة عن مشاريع كلامية، دون وجود أي فعل على ارض الواقع، اصبحنا نمجد الوهم، ونرضى بالدون، تقاد التحركات ليس من أجلكم بل من أجل مشاريعهم الخالية من القيم والمبادئ، مشاريع بنيت من دمائكم فلا نامت أعين الجبناء.
مصطفى حسان
هم الشهداء ونحن الجبناء 1404