دعونا نتكلم عن السياسة ونقول: إن الانحياز الروسي لسوريا لا يعود فقط لسبب استراتيجي له علاقة بالصراع الدولي بين المعسكرين: الروسي- الصيني من جهة, والأمريكي- الأوروبي من جهة أخرى, والحفاظ على موقع روسيا في موانئ المياه الدافئة على شواطئ المتوسط, وهذا سبب جوهري يكمن في دوافع سياسات روسيا وأولوياتها الدولية، ولكنه ليس العامل الحاسم الذي يدفع روسيا كي تضع رهانها للحفاظ على نظام حزب البعث ورئيسه ورفض تقويضه ومنع سقوطه، بل ثمة عوامل قوية لا تقل أهمية, بل تزيد عن هذا العامل، تدفع روسيا نحو مواجهة الدعم الأمريكي، الأوروبي للمعارضة السورية المسلحة وإفشاله.. ويقف في طليعة هذه العوامل الموضحة أدناه:
أولاً: الحفاظ على أمن روسيا في الشيشان، فالأدوات المقاتلة في سوريا تشكل أمداداً عقائدياً وتنظيمياً وحزبياً لأدوات المعارضة الشيشانية التي تقاتل في روسيا وبالتالي فإن انتصار المعارضة المسلحة السورية، يشكل رافعة فيما لو حققت الانتصار للمعارضة المسلحة الشيشانية ضد روسيا.
وثانياً: ثمة مشروع قطري لمد أنبوب غاز من الدوحة نحو أوروبا بشكل أداة بديلة لأنبوب الغاز الروسي الممتد نحو أوروبا ووسيلة تعتمد عليه أوروبا للتدفئة واحتياجات قطاع واسع من الصناعة، ولهذا سيكون أنبوب الغاز القطري أنبوباً منافساً مالياً واقتصاديا للأنبوب الروسي وسيترك أثره السياسي في إضعاف النفوذ الروسي على أوروبا.
ومن هنا يمكن تلخيص حصيلة العاملين بعاملي الأمن الداخلي الروسي في الشيشان، وأنبوب الغاز، هما العنوانان الأساسيان اللذان ستنعكس آثارهما على العامل الثالث، وهو إضعاف النفوذ الروسي وتقليصه دولياً.. وتقول موسكو( بوتين) لأصدقائها، لقد خطفت واشنطن كلاً من العراق وليبيا في غفلة من اليقظة الروسية وهذا لن يتكرر، لا في سوريا ولا في غيرها، وسيبقى التوازن والتفاهم والشراكة هي أساس العلاقات الدولية، وهذا ما حصل بشأن سوريا في بيان جنيف وما تم أثناء الاتفاق الأخير بشأن سوريا بين وزيري خارجية روسيا وأمريكا (كيري ولافروف) والذي ولا شك أساساً صالحاً للحل وسيكون عنواناً للحل ولن يبقى الرهان على العسكري بين الطرفين المتصارعين في سوريا وعلى أرضها هو العنوان..
ولذلك يمكن الحديث عن ثلاثة عوامل إذا وقع أحدها سيؤدي إلى تغيير السجال القائم على الأرض بين النظام والمعارضة( الجيش الحر):
الأول: انشقاقات كبيرة ملموسة في بنية المؤسسة العسكرية تجعل الجيش فاقداً للمبادرة التي يملكها حالياً.
والثاني: هو وحدة قوى المعارضة بشكل يؤدي إلى تماسكها وامتلاك قدرتها على اتخاذ زمام المبادرة, وهي ما تفتقده حالياً.
والثالث: يتمثل بتغيير الموقف الروسي بما يسمح للولايات المتحدة الأمريكية ويوفر لها الغطاء للتدخل العسكري كما حصل في العراق وليبيا، وفي غياب هذه العوامل أو أحدها، سيبقى الصراع سجالاً بدون تغيير استراتيجي لصالح أحد الطرفين.. وكان الله في عون الشعب السوري الشقيق.
أحمد عبدربه علوي
الموقف الروسي.. مع سوريا ولو طال النقاش!! 1144