في الوقت الذي كان يجب أن ينتهي مؤتمر الحوار في موعده المحدد بـ 18 سبتمبر الجاري 2013 م، نفاجأ بتمديد كنا قد حذرنا منه من وقت مبكر، لأن تحديد ستة أشهر لفترة انعقاده عند لحظة الانطلاق كان يخفي وراءه رغبة في تمديد وتطويل من نوع آخر، رغم أن شعار المرحلة الانتقالية بدأت بخطابات رئاسية مرعدة ومزبدة أن "لا تمديد ولا توريث"، وقال الأخ الرئيس/عبد ربه هادي- هداه الله ورعاه- أنه سيسلم الأمانة في الوقت المحدد كما تسلمها من سلفه.
وعليه كان يجب أن ينفض هؤلاء من حوار الموفمبيك بغروب نهار 18 سبتمبر الجاري، كما كان على بن عمر أن يحذو حذو صاحبة السفير جيرالد فايرستاين وينهي مهمته، لأنه قد قام بعمل جبار حتى الآن، وهيأ ومجموعته للانفصال سياسياً وإعلامياً بما فيه الكفاية، ونعتقد أن أي عمل إضافي لبن عمر ولمؤتمر الحوار سيكون ضد المهمة الإنسانية التي انتدب لأجلها.. فمهمته يجب أن تنتهي في "إطار الحفاظ على الوحدة " كما جاء في البند رقم (1) من المبادرة الخليجية، وقراري مجلس الأمن (2014-2051)، وليس في إطار تمزيق الوحدة، لأن الحوار اليوم قد خرج عن مساره، وقد وصل إلى طريق مسدود.. والمبادرة الخليجية، وقرارا مجلس الأمن تحدثت عن مؤتمر حوار وطني، كانت القضية الجنوبية أحد محاوره وليس كل محاوره، ولم تتحدث المبادرة ولا قرارات مجلس الأمن عن حوار بين (شمال وجنوب) ولم تتحدث عن "تقرير المصير واستعادة الدولة أو فك الارتباط "، وإنما تحدثت عن حوار وطني يفضي إلى حل للأزمة اليمنية في " اطار الحفاظ على وحدة اليمن وأمنه واستقراره" وبما "يلبي طموحات الشعب اليمني في التغيير والإصلاح" كما جاء حرفيا في المبادرة.
ومن هنا، فالسيد "بن عمر" ورعاة المبادرة الخليجية معنيون بإدراك أن تلبية طموحات اليمنيين في التغيير هي في التأسيس لبناء دولة مدنية حديثة يتساوى فيها اليمنيون في الحقوق والواجبات، وتُجفف فيها منابع الفساد الذي يتجسد أيضاً بأسوأ أمثلته وصوره في مؤتمر الحوار نفسه، فهذه هي طموحات شعبنا في الشمال والجنوب والشرق والغرب، وليست في تمكين الفسدة والجهلة من السيطرة والاستحكام، وتأمين مصالح مراكز قوى وتجار حروب وزعامات كرتونية عبر تمزيق وحدة البلد من خلال تمرير مشاريع صغيرة على حساب المشروع الوطني في الحفاظ على الوحدة وبناء اليمن الجديد..
فـدعوى استعادة الدولة، والعودة بالوطن إلى الوراء والبدء من جديد بحوار ثنائي (شمالي- جنوبي) على غرار لجنة الـ16، يفضي إلى فيدراليتين أو فيدراليات، بمبرر أنه الحل الأمثل والأقوم، فذلك هو منطق أحمق، وسفسطة لا تستهدف إلا تضليل الرأي العام اليمني وجر الشعب إلى مستنقع الولاءات القبلية والعشائرية الضيقة المحكومة بزعامات جاهلة ومتخلفة، بدلاً عن الولاء للتربة والوطن الكبير، وتسويق مشاريع تدميرية لا ترضي ولا تلبي طموحات الشعب لا في التغيير ولا في الإصلاح، وإنما ترضي الجوعى من السياسيين الجدد الطامحين للسيطرة على السلطة والثروة عبر العمالة والارتهان لأجندات خارجية مقابل أموال رخيصة ومدنسة على حساب خارطة الوطن وجثة الوحدة.
ولعل الرئيس هادي وقادة المرحلة في ثلاثي المشترك, وأعني بهم " الإصلاح والاشتراكي والناصري", معنيون بفهم هذه الحيثيات، وعليهم إدراك أن مؤتمرهم الذي بدأ فعاليته بشعار يفيض أملاً ويرسم ملامح اليمن الذي نحلم به " بالحوار نصنع المستقبل"، سينتهي – للأسف-بشعار آخر لسان حاله يقول:" بالحوار نمزق الوحدة ونلغم المستقبل"..
والغريب أن "الإصلاح" الشريك الأقوى والأكبر في الحكومة والحوار، الذي يرفع ضمن شعاراته ومنطلقاته الآية الكريمة (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا), ويحث على الوحدة والتمسك بها، إلا أنه بدأ يتماهى بأريحية مع أطروحات ومشاريع تدعو لتمزيق البلد وتفتيت وحدته، رغبة في السلطة والحكم.. لكن الحقيقة التي لم تدركها بعض الأحزاب والقوى الحاكمة اليوم، هي أن كل المؤشرات تدل أن فرص سيطرتهم الكاملة على السلطة والحكم ستكون ضئيلة جداً، وإذا ما حكموا-لا سمح الله- فحكمهم سيكون مرعباً، ولن يستمر طويلاً، ذلك لأنهم بطبيعتهم إقصائيون ولا يقبلون بالآخر..
ثم إنه قد ثبت عملياً أن الأحزاب الأيديولوجية العقدية المغلقة تفهم في تنشئة وتربية الأعضاء على الولاء والطاعة، وتنجح في بناء وإدارة وتطويع الجماعات المغلقة، لكنها تفشل في تربية وتطويع المجتمع، وتخفق في إدارة وتسيير شؤون الدولة.. والمثل قريب وليس ببعيد، إنه هناك في مصر، في الضفة الغربية من بحرنا المليء بالزرقة والجمال، حيث تحلق طيور النورس في فضاء واسع وسماء صافية وهواء طلق.
نحن هنا لا نشكك في وحدوية أحد، ولا ننكر على أحد نضالاته من أجل الوحدة ، لكن ما يجري في مؤتمر الحوار يضع الكثير من علامات الاستفهام, "فالإصلاح مع "فيدراليات"، والاشتراكي مع "فيدراليتين"، وحراك محمد علي أحمد مع تقرير المصير واستعادة الدولة، والمؤتمر مع الوحدة.
والسؤال هنا هو: لماذا أيضاً لا يكون الاشتراكي والإصلاح والناصري مع الوحدة ومنافحين عن الوحدة؟!, فشعارات الكل تقول بالوحدة وبالحفاظ عليها، وللكل رصيد تاريخي في الدفاع عنها، فلماذا إذا هذا التراجع وهذا النكوص؟!.. فالحزب الاشتراكي اليمني ظل على مدى ربع قرن يبث في المجتمع روح الوحدة، وحلم تحقيقها، كما ظل يناضل ربع قرن تحت شعار "يا عمال العالم اتحدوا".. واليوم ما الذي يجري؟!, لماذا يتعاطى "الاشتراكي" مع دعوات تمزيق الوحدة عبر العودة إلى الوراء بـ"إقليمين" وقد كان شريكاً فاعلاً في تحقيقها عام 1990م؟!.
والسؤال، هو نفسه بالنسبة لـ" التنظيم الوحدوي الشعبي الناصري" حليف الاشتراكي، والشريك الثالث في تسيير حكومة الوفاق وإدارة الحوار، فالوحدة لا تزال مرتبطة باسمه، وهو وفقاً لشعاراته "قومي المنطلق وحدوي الاتجاه"، ثم إن الرئيس الشهيد/ إبراهيم الحمدي, الذي يعتبره التنظيم أحد أبرز قياداته, ضحى بحياته وهو يفاوض ويناضل من أجل تحقيق الوحدة.
ومن هنا، فالأحزاب والقوى اليمنية مدعوة لاستبدال شعاراتها الأممية والإسلامية والقومية بشعار وطني واحد هو "يا أبناء اليمن حافظوا على وحدتكم"، أما إذا أصر المتحاورون على استبدال الحوار الوطني بحوار شطري وفق آلية 16مقابل 16 و8 مقابل 8، فذلك هو الانحراف بعينه، وذلك هو الفشل نفسه..
وعليه فلم يبقَ على الرعاة الدوليين إلا أن يعلنوا عن فشل الحوار.. كما على الرئيس هادي بالمقابل أن يعلن عن التهيئة للانتخابات البرلمانية والرئاسية ليقرر مجلس النواب المقبل مصير البلاد!!.
* رئيس مركز الوحدة للدراسات الاستراتيجية
د.عبدالوهاب الروحاني
الحوار.. ينحرف عن مساره!! 1634