طوال الأسبوع الماضي ظلت مصر تشحن و تعبأ لصالح ذلك اليوم, و لم تقصر وسائل الإعلام عندنا في أحاطتنا علما بتفاصيل من كان جاهزا من الفريق و من توعك و من ينتظر تقرير الطبيب، و من ترشح و من استبعد. حتى اذا حل موعد السفر فإننا تابعنا الرحلة و شاع القلق بين البعض حين علموا أن الفندق الذى سينزلون فيه لم يكن مريحاً بما يكفى. حتى اذا اقترب موعد المباراة فان جريدة «الأهرام» اعتبرتها احد اهم حدثين في الكرة الأرضية، فكان العنوان الرئيسي الأول لعدد الاثنين 14/10 أن أمريكا مهددة بالإفلاس، و قد نشر باللون الأسود. أما العنوان الرئيسي الثاني فقد كان عن احتفال مصر بالعيد و تطلعها إلى مجد كروى جديد- ولأنه الحدث الأهم إعلاميا فقد جرى إبرازه على ثمانية أعمدة و باللون الأحمر. لم يكن ذلك موقف الأهرام وحده، و لكن بقية الصحف شاركت في التعبئة بنفس الدرجة من الحماس, فمنها من اعتبر المباراة لحظة انطلاق الفراعنة نحو المجد، ومنها من اعتبر الفوز هو «العيدية» التي سيتلقاها المصريون هذا العام، ومنهم من ادعى أن ألسنة الحجاج المصريين ظلت تلهج بالدعاء على عرفات راجية من الله سبحانه وتعالى أن يسدد «خطى» اللاعبين المصريين في مباراة كومباسى. وعبر احدهم عن استعداده للتضحية مؤقتا بمشاعره المعادية للإخوان فكتب عن أبو تريكة قائلا انه رغم انه محسوب عليهم، فيمكن أن نغفر له جريرته اذا احرزنا الأهداف بقدمه المبروكة. و لم يقصر آخرون في مغازلته (على عيبه!) فوصف في اكثر من تعليق بانه صانع بهجة المصريين. ثم كانت الصدمة بالنتيجة التي ليس لدى ما أقوله بخصوصها، لان ذلك شان غيرى من أهل الاختصاص، وإن كنت قد لاحظت أن أبو تريكة احرز هدفاً واحداً لا اعرف إن كان سيوفر له بعض الغفران أم لا. لاحظت أيضا أن التعليقات التي انهالت على مواقع التواصل الاجتماعي أدخلت السياسة في الموضوع. فنسب احدها تصريحا للمتحدث العسكري قال فيه إن الأهداف ليست سوى مؤامرة من شبكة الجزيرة صاحبة الحق في بث المباراة، و حيت تعددت تعليقات- و مزايدة- مؤيدي النظام و معارضيه قرأنا لمن قال إن الشماتة دليل على انفصال الجماعة عن الوطن، الأمر الذى وجدته دالا على المدى الذى اختزل فيه الوطن بحيث اصبح المنتخب القومي رمزا له. و هو ما أشعرني بالذنب في لحظة، لأنني لم اكن مهتماً بالموضوع من الأساس، الأمر الذى يرشحني بمقتضى ذلك المعيار للخروج و معي ملايين المصريين من أمثالي من اطار الجماعة الوطنية. ما دعاني للنظر إلى الموضوع هو الإسراف في التعامل معه إلى الحد الذى وضع الهزيمة في غانا على قدم المساواة مع نكسة يونيو عام 1967 وأرجو أن تكون قد لاحظت أن اعتراضي الأساسي منصب ليس على الاهتمام بالموضوع لكن ذلك الإسراف في الاهتمام به. و إذ افهم أن كرة القدمة أصبحت شيئا مهما في حياة المجتمعات الإنسانية المعاصرة، وأن المهووسين بها موجودون في الدول المتقدمة و النامية على السواء، لكنني افرق بين أن تكون احد الأشياء المهمة في المجتمع، وبين أن تصبح اهتمامه الوحيد. و ازعم في هذا الصدد أن توازن المجتمع بل و تقدمه أيضا يقاس بمقدار ما يحققه من إنجاز في العديد من المجالات و منها كرة القدم بطبيعة الحال. إن ما يشعرني بالإحباط وخيبة الأمل أن يصدم المجتمع المصري جراء الهزيمة القاسية التي لقيها المنتخب القومي في غانا، في حين لا تهتز شعرة في بر مصر و لا يعبر احد عن الأسف و الحزن حين يعلن تقرير التنافسية العالمية (لعام 2013-2014) مثلا أن مصر تحتل المرتبة الأخيرة في جودة التعليم الأساسي. و حين يسجل التقرير السنوي الذى يصدره المنتدى الاقتصادي العالمي شهادة محزنة تسجل معدلات التخلف والتراجع التي تعانى منها مصر في الوقت الراهن، في مجالات الكفاءة و الاقتصاد, ولا تسأل عن الديمقراطية وحقوق الإنسان بطبيعة الحال. أتصور أن المسئولين في مصر سوف يعلنون الطوارئ بعد عودة المنتخب من غانا لمحاولة انقاد مستقبل «الفراعنة» في رحلة المونديال, واستحى أن أدعو بالمناسبة إلى توسيع نطاق المناقشات المفترضة بحيث يضم إلى جانب ملف كرة القدم بقية ملفات التراجع و الانتكاسات الحقيقية الأخرى، لا لكى نحلها وأن تمنيت ذلك، و لكن لكى ننتبه إلى أنها موجودة، ربما فكر احد في حلها في وقت لاحق. بالمناسبة هل يمكن أن يفسر لي احدهم لماذا لا نتذكر الفراعنة إلا في كرة القدم فقط؟ و هل نكون فراعنة اذا انتصرنا، و اذا انتكسنا نصبح مصريين فقط؟
فهمي هويدي
أزمة المنتخب أم المجتمع؟! 1456