الاستقرار الأمني عامل من عوامل الازدهار والرخاء الاقتصاديين, ذلك لأن القلاقل والفلتان الأمني لا يشجعان على الاجتهاد وبذل الممكن والمستحيل في ميادين التنمية الشاملة، ففي ظل الفوضى والارتباك الأمني تختفي الأنشطة والأعمال التنموية والاقتصادية، وتسير السوق التجارية أنشطة تنموية محدودة لا تسهم في تحقيق ازدهار أو رخاء اقتصادي في المجتمع، ناهيك عن أن تلك الفوضى وهذا الارتباك يمثل بيئة طاردة للاستثمار الخارجي, ذلك لأن هذه البيئة تحد من عملية الاستقطاب لرؤوس الأموال الخارجية التي تلعب دوراً هاما وبارزاً في إنعاش الاقتصاد المحلين, علاوة على جلب العملات الأجنبية لتغذية المخزون الاحتياطي من الأوراق النقدية الأجنبية، فضلاً عن إسهامها المباشر في دعم عملية استقرار صرف العملة المحلية مقابل العملة الأجنبية.
فالأمن والتنمية قرناء (متلازمان) إذا رفع أحدهما رفع الآخر، فالتنمية ذات أشكال وصور عديدة، فمن أشكالها وصورها التنمية الاقتصادية والتنمية السياسية والتنمية الاجتماعية البشرية والتنمية الأمنية والعسكرية والتنمية الإعلامية....إلخ، على أننا في هذا التناولة (الأمن، والتنمية) نعين التنمية الاقتصادية التي غابت عن السطح الاقتصادي في وطننا اليمني الحبيب عقب الانتخابات الرئاسية عام 2006م والتي تتحكم فيها العديد من الأسباب، وعلى رأسها الفساد المالي والإداري وغياب العدالة الاجتماعية وتفشي الفقر وفساد القضاء، وانتشار السلاح, إلا أن الحملة الأمنية في أمانة العاصمة وعواصم المحافظات بدأت تؤتي بعض ثمارها من أجل توفير أجواء ومناخات ملائمة للتنمية الشاملة والتنمية الاقتصادية.
إن التنمية الاقتصادية ذات أهمية بالغة، ومن أجل تحقيقها سخرت لها الدولة التي تعد في مصاف الدول المتقدمة جل إمكاناتها ومقدراتها وطاقاتها، فأمكن بها تحقيق المزيد بعد جهد وتجييش للطاقات البشرية والطبيعية، فحق لتلك الدول أن تتربع على عرش وكرسي الدول المتقدم، وتحقق نهوضاً ملموساً في مختلف المجالات سياسياً واجتماعياً وتعليمياً وتربوياً صوب التنمية السياسية والاجتماعية والتعليمية والتربوية نحو تحقيق التنمية الشاملة المتكاملة، وتحقيق أمان وتطلعات الجماهير الغفيرة في العيش الأرغد الكريم الخالي من المنغصات والمكدرات الحياتية اليومية على مستوى الأفراد والجماعات، بما في ذلك تقليص رقعة الفقر بتسوية الأوضاع المعيشية للأفراد والجماعات، والدفع بتلك المجتمعات أن تمثل حقيقة الحياة المرفهة التي تتجه بالأفراد والجماعات صوب التفاني والإبداع والتألق.
ولعل الولوج إلى ساحة التنمية الاقتصادية الشاسعة ليس بالأمر السهل الهين, إذ يتطلب ذلك الولوج رغبة حقيقية يفصح عنها بشكل قرار جماعي (حكومي/ شعبي)، يلزم الطرفين سعياً دؤوباً لتوفير أجواء ومناخات مناسبة للتنمية الاقتصادية باتجاه تسخير جل الإمكانات والمقدرات والطاقات البشرية والطبيعية، بما في ذلك التعاون الحثيث في تحقيق استتباب الأمن باعتبار الاستقرار الأمني عاملاً رئيسياً من عوامل نجاح التنمية الاقتصادية التي لا يمكن أن تتحقق أو تنمو وتزدهر إلا في ظل أجواء ومناخات أمنية مستقرة وهادئة تشجع على التفاني المجتمعي، وتزيح العديد من الكوابح والعوائق التي من الطبيعي أن تنصب في طريق التنمية الاقتصادية، والتي قد تسمم الأجواء وتلوث المناخات، وتعيد الأمة إلى مربع التخلف.
فالغرض من التنمية الاقتصادية المستدامة هو تحقيق النبوغ الاقتصادي للأمة جمعاء، ليعود النضج في المقام الأول لأفرد الشعب وجماعاته، لتحد الدولة عن مسألة مد اليد للأشقاء والأصدقاء بهدف مساعدتها مالياً كي تقوى على الوفاء بالتزاماتها تجاه القطاع الواسع من الموظفين، فضلاً عن تغطيتها الخدمات الأساسية المحدودة التي تقدمها للشعب وتبادر إلى المن ف يكل مناسبة تدعوها إلى ذلك, فالحياة خانقة كئيبة في ظل الأزمات الاقتصادية والمالية المقلقة، التي يتضرر منها في المقام الأول الشعب المعذب الذي تفتك به أبسط المتطلبات الحياتية الضرورية المتصلة بالغذاء والدواء، أما الكساء فقد صرنا نعده ممن كماليات الحياة المرفهة طالما وأن الحصول عليه قد يرهق ميزانية الأفراد في البلد النامي.
لذلك فإن أفراد الشعب وجماعاته في أي دولة هم أصحاب طلب حثيث للتنمية الاقتصادية المستدامة المتكاملة باعتبارها المخرج الأسلم من شبح الفقر وبعبع الضائقة المالية والعوز، فالموظف مثلاً في البلدان النامية ينتظر الراتب الشهري الزهيد شهراً كاملاً ليصدمه في خلال ساعات وربما دقائق، فأين المرتبات المجزية للموظفين لتأمنهم وتأمن متطلباتهم زهاء شهر كامل كما في الدول المتقدمة؟.
ومن هذا المنطلق تتأكد الحاجة والضرورة في الأٌقطار والأمصار العربية والإسلامية من التنمية الاقتصادية المستدامة المتكاملة التي لن تتأتي بمعزل عن الشعوب التي يجب أن تنهض وتثور وتقارع الأنظمة السياسية الفاسدة التي ٍأثرت بالسلب على الحياة الأمنية في جميع الأٌقطار والبلدان العربية والإسلامية.
ليظل الأمن مدخل ومفتاح التنمية الاقتصادية المستدامة والمتكاملة، وبهكذا فهم نستطيع أن نلج إلى رحاب التنمية الاقتصادية من منطلق الاستقرار الأمني الذ ي سيحقق الازدهار والرخاء، والرفاه الاقتصادي وسيدفع بالدولة اليمنية إلى تخطي الكثير من الإشكالات الاقتصادية وتوديع العديد من الإرهاصات والاختلالات التي دفعت بالحكومة إلى التسول تحت ضغط الحاجة والضرورة، كما يجب على الأمة اليمنية الواحدة تقديم المصالح العليا للبلاد على المصالح الفئوية الضيقة، وتقليم أظافر الفاسدين في جميع المرافق الحكومية من أعلى مسؤول إلى أدنى مسؤول من أجل أن تزدان الحياة، وننعم بخيرات التنمية الاقتصادية التي ستضعنا في فترة قياسية في مصاف الدول المتقدمة.
عصام المطري
الأمن والتنمية!! 1539