للإعلام العربي بمختلف أشكاله (المقروء والمرئي والمسموع) دور هام وبارز في التأثير الإيجابي على حركة المجتمع اليومية، وإليه يعزى سر الانحطاط والتقدم، وبه تتمكن الأمصار والدول من النهوض بكافة شؤون الحياة العامة، ومن خلاله نستطيع تشكيل الوعي المجتمعي لدى الناشئة والشباب ومختلف الشرائح العمرية، كما أن الأمة في مسيس الحاجة إليه ذلك لأنه عصا الإنجازات والتحول والتغيير الهادف المنشود في مختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والتربوية والأمنية والإعلامية والعسكرية.. إلخ.
ويتولى الإعلام بمختلف أشكاله وصوره (المقروءة والمرئية والمسموعة) مهام البناء والإعمار الوطني الشامل متعدد المجالات والميادين، فهو يخلق رأياً عاماً موحداً للاتجاه العام السائد لقضايا النهوض والتنمية الشاملة المستدامة، فهو الأرضية المناسبة لغرس العديد من التطلعات المهذبة التي تتوافق مع الأهداف المجتمعية العامة ومع أهداف الثورة المتطلعة إلى بناء جيل قوي ملتزم قادر على العطاء في العديد من مجالات الحياة العامة والمتنوعة.. جيل رباني يقدم مصلحة الوطن العليا على ما عداها من مصالح ضيقة أنانية.. جيل يثق بالله عز وجل وبالدين الإسلامي الحنيف في إجراء التحولات الهامة في الحياة، وفي أن تمسكنا بالدين الإسلامي الحنيف يعد مصدراً لقوتنا وعزتنا وسؤددنا في مختلف الشؤون الحياتية.
فالإعلام العربي بمختلف أشكاله وألوانه وصوره لا يتماشى والاتجاه العام السائد شعبياً وجماهيرياً، بل نراه من خلال القنوات الفضائية يتحدى القيم والمثل والمبادئ والأخلاق الإسلامية الفاضلة، فضلاً عن تحديه للأعراف والعادات والتقاليد العربية والإسلامية الأصيلة، زد على ذلك أن الإعلام العربي اليوم بمختلف أشكاله وصوره في معظم الأقطار والأمصار العربية والإسلامية يعمل على نشر وإشاعة ثقافة الانقسام والتشظي صوب تحقيق أهداف وغايات أعداء الأمة العربية والإسلامية الذين يقدمون لبعض أشكال وصور الإعلام العربي في معظم الدول والأقطار العربية والإسلامية الدعم المادي والمعنوي السخي من أجل تنفيذ أجندة سياسية وإعلامية خاصة، في اتجاه مسخ الشخصية العربية والإسلامية السوية، وتمييع الشباب وصرفهم عن أهم وأبرز قضاياهم المصيرية، فضلاً عن الهبوط باهتماماتهم وتربيتهم على حياة الراحة والكسل، ناهيك عن تنفيذ حملات إعلامية مسيسة تنال من علماء الأمة العربية والإسلامية ومن القوى الإسلامية التي تريد العزة والكرامة والمساواة والتقدم والعدالة الاجتماعية للشعوب العربية والإسلامية الغفيرة، والتشكيك في ولائها الوطني وفي إمكاناتها ومقدراتها، وفي أن الحركات الإسلامية لا تصلح سوى للمساجد كخطباء وأئمة للمساجد فقط، علماً بأن الحركات الإسلامية في جميع الأقطار والأمصار العربية والإسلامية تتوقد بالشباب المخلص الواعي ومن جميع التخصصات، وأن للحركات الإسلامية عقولاً مهاجرة في دول أوروبا يحملون أرفع الدرجات العلمية في جميع التخصصات وهم وراء النهضة العلمية والصناعية الأوروبية، فهنالك علماء في الذرة والتسليح العسكري وعلماء في التصنيع الدوائي وعلماء في الزراعة والتربية والاقتصاد هجرتهم الأنظمة العربية والإسلامية الفاشية الفاشلة.
الإسلام ليس ملكاً للحركات الإسلامية:
ثم أن الدين الإسلامي الحنيف ليس ملكاً للحركات الإسلامية في عالمنا العربي والإسلامي الكبير، ولا يعد تطبيقه أو الالتزام به حكراً على منتسبي الحركات الإسلامية، فالدين الإسلامي الحنيف هو دين الجميع، وتطبيقه أو الالتزام به وأجب الجميع، علماً بأن هنالك فهماً مغلوطاً من قبل المناوئين والمعادين للحركات الإسلامية متمثل باختزال الدين الإسلامي الحنيف في مجرد حركة إسلامي؛ وهم يعلمون علماً قاطعاً أن ذلك فهم مغلوط إلا أنهم يبررون بذلك الفهم عدائهم المجرد للدين الإسلامي الحنيف الذي هو من عند الله خالق الإنسان والكون.. العليم بما يصلح حال الإنسان وما يفسد هذا الحال، ذلك لأن الدين الإسلامي الحنيف والشريعة الإسلامية السمحاء صالحان لكل زمان ومكان، فالإسلام يجب أن لا يُقصى ولا يفصل عن المجتمع والدولة وعن تنظيم كافة شؤون الحياة، فالحضارة الغربية الأوروبية الزائفة المعلمنة التي أطلقت الحرية الشخصية دون قيود وضوابط عن مشرع عليم وحكيم بما يناسب الفطرة البشرية السوية تقف عاجزة أمام معالجة مرض الإيدز الذي قوض الحياة الحضارية في أوروبا، فحياتنا العربية والإسلامية حياة رفيعة وكريمة وذات قيمة، إنما يحاول العلمانيون إفسادها، وقد أفسدوها فعلاً بالتعاون مع الأنظمة العسكرية العربية والإسلامية المستبدة التي أطلقت العنان للعلمانيين في أجهزة الإعلام المختلفة لإفساد رونق الحياة العربية والإسلامية في جميع الأقطار والدول العربية والإسلامية نكايةً ومحاصرةً للإسلاميين.
مجتمعون تحت سقف واحد:
لقد تمكن الإعلام العربي بأنواعه من خلق ذعر وهالة ثقافية وفكرية في جميع أقطارنا وأوطاننا العربية والإسلامية، إذ عُرف بتغذية نزعات الانقسام والانشطار والتشظي، وخلق مجتمع مشوه، عن طريق التعبئة السياسية والاجتماعية الخاطئة ضد الإسلاميين بمختلف تكويناتهم، ومحاولة إلصاق تهمة الإرهاب بالجماعات والقوى الإسلامية المعروفة بالوسطية والاعتدال كما حدث ويحدث في الإعلام المصري الذي يؤلب ضد الإخوان المسلمين وينعتهم بالإرهاب ظلماً وزوراً، وبأنهم يمتلكون مليشيات مسلحة، فإذا كان الإخوان المسلمون في مصر يمتلكون مليشيات مسلحة، فلماذا يسلمون مرشدهم العام دون أدنى مقاومة في مسألة مصيرية؟!، ولماذا لم يحموا الرئيس الشرعي المنتخب من الاعتقال والاختطاف؟!، المهم أن الإعلام العربي تفنن وأبدع بعملية الهدم الواسعة والشاملة للمجتمعات العربية والإسلامية طيلة عقود وعهود خلت، فبدلاً من انشغاله في عملية الهدم كان الأحرى به أن يتلمس الواقع العربي المهترئ، وينظر إلى قضية الأمة العربية والإسلامية.. القضية المحورية والمركزية للأمة العربية والإسلامية.. قضية العادلة، فضية الأمة المسلمة فلسطين، ويرى ما يمكن أن يقدمه لهذه القضية ولصراعنا المرير مع بني صهيون من أجل استعادة الأراضي العربية والإسلامية بما فيه بمسجدها الأقصى الأسير، حيث لا نبالغ إن قلنا بأن الإعلام العربي للأنظمة العربية والإسلامية المأزومة تمكن من تفتيت المجتمعات العربية والإسلامية، فبرع في إيجاد مجتمعات تحت سقف واحد، كل مجتمع يتربص بالآخر الدوائر، فإن لم يعوا ويعقلوا سيصلون إلى مرحلة الفناء، وسوف يتآكل كل مجتمع في الحرب الباردة بينها.
بدون رؤية:
وفوق الإسفاف الثقافي والفكري، والتبذل السياسي والإعلامي.. يفتقد الإعلام العربي بكل مكوناته إلى رؤية واقعية حصيفة تقدم الأهم فالمهم في سلم أولوياتها العملية، وهذا ما يدل على صحة القول بأن المجاميع السياسية العلمانية وحكوماتها العسكرية والديكتاتورية الفاشية والنازية ليست مجاميع برمجية أي أنها لا تعتمد على البرمجة والتخطيط سبيلاً للبناء والإعمار الوطني الشامل، وهنا يتأكد أن الإسلاميين وحدهم يعدون قوى برمجية؛ إذ يعتمدون على البرمجة والتخطيط سبيلاً لتحقيق أهداف وغايات التنمية والبناء والإعمار الوطني الشامل، ونحن لا نقول ذلك جزافاً أو ظلماً وزوراً، وإنما يحكي ذلك واقع الحال عبر أنموذج إسلامي رفيع وراقي أتيحت له الفرصة، فحقق ما عجزت عن تحقيقه الأحزاب العلمانية.. إن طيب رجب أردوغان الذي قاد السفينة بمشروع إسلامي واقعي وحصيف، وأستطاع أن ينقل تركيا نقلة نوعية متميزة في مختلف مجالات الحياة المتعددة والمتنوعة وهذا ما يؤكد بأن الدين الإسلامي الحنيف وحده الذي يستطيع إقامة وتشييد حضارة إنسانية سامقة غير زائفة، ومبرأة من النقص والعجز، فيها العزة والسؤدد والقوة والغلبة والمنعة، ومتحررة من شكى الأمراض والأسقام والعلل.
ثورات الربيع العربي:
إن الأنظمة العربية والإسلامية العلمانية العسكرية حكمت الأمة بالحديد والنار، وفرقت بين أفراد المجتمع إعمالاً للقاعدة الاحتلالية البريطانية (فرق تسد)، إلا أن أنظمة القمع البوليسية والسحل والاعتقال، والمحاكمات العسكرية النازية الديكتاتورية لم يطول بها الأمد، فجاء الشباب العربي الثائر على أنظمة القمع البوليسية وسياساتها الإعلامية المتخبطة المحاربة للوجود الإسلامي والتي تعمل ضد الدين الإسلامي الحنيف، وتنشر الفساد الأخلاقي وتروج له وتسوقه، وتتداعى على الشباب المسلم الملتزم الذي يعتنق الدين الإسلامي الحنيف، عقيدة وشريعة وتصوراً ومنهاج حياة حتى بلغ السيل الزبى، وسبق السيف العذل، بإعلان الشباب العربي والإسلامي في بعض الأقطار والأمصار العربية والإسلامية عن ثورته ضد مخلفات التبعية والاحتلال الأجنبي البغيض وضد الفساد المالي والإداري والأخلاقي، وضد الحياة التي أفسدها العلمانيون والعسكر، واندلعت ثورات الربيع العربي في تونس ومصر واليمن وليبيا وسوريا، وكتب الله عز وجل لها النجاح ما عدى قطرنا السوري الذي يجاهد من أجل الكرامة والعزة وإنجاح ثورة الشباب، وحدثت انتكاسة لثورة 25 يناير المصرية بعد نجاحها وذلك من خلال الانقلاب العسكري الليبرالي العلماني الشيوعي الناصري، والإطاحة بنظام الرئيس الشرعي المنتخب/ د/ محمد مرسي.. المهم أن ثورات الربيع العربي مؤشر على بداية النصر وإعادة النظر في السياسات الإعلامية التي تسير بدون رؤية مرنة واقعية.
وماذا عن المهام المفروضة؟!
وتواكباً مع روح العصر، وتماشياً مع المتغيرات والمستجدات المحلية والإقليمية والدولية، ثمة مهام مفروضة على الإعلام العربي على تعدد وتنوع أشكاله وصوره يمكن سردها في العجالة التالية على النحو التالي:
أولاً: مهمة خلق جيل رباني مؤثر في المحيط الدولي والإقليمي، ينتصر لقضاياه المصيرية، وليده فكرة كاملة غير منقوصة عن الصراع الصهيوعربي.
ثانياً: مهمة تحقيق الالتزام بالدين الإسلامي الحنيف من قبل فئات وشرائح المجتمع المختلفة عن طريق الترفع عن ما من شأنه يخدش الحياء أو يعكر صفو الالتزام بنصوص الدين الإسلامي.
ثالثاً: مهمة التقريب بين وجهات النظر لتصل إلى حد التطابق بين التيارات الإسلامية والقومية العلمانية، وتوحيدهم ضد عدو الأمة اللدود المتمثل بالكيان الصهيوني الذي يهدد الأمن القومي بمختلف تياراته، قال تعالى (ولن ترضى عنك اليهود ولا النصارى حتى تتبع ملتهم).
رابعاً: مهمة التشجيع على ثقافة الحوار ونبذ التطرف والغلو والعنف، وإبراز حقيقة الالتزام بالدين الإسلامي الحنيف عقيدة وشريعة وتصوراً ومنهاج حياة.
خامساً: مهمة النقد البناء الواعي للذات وللسياسات الحكومية والرئاسية بما لا يخرج عن النصيحة، ففي الحديث تكون النصيحة لله ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
سادساً: مهمة نقد الحضارة الأوروبية الغربية وتوضيح زيفها وتعريف النشء والشباب ومختلف الشرائح العمرية بالحضارة العربية والإسلامية السامقة التي شيدها العرب والمسلمون ذات مرة.
سابعاً: مهمة التوقف عند عظمة الإسلام بأخلاقه وثقافته الداعية إلى التسامح والمساواة والحرية المنضبطة بالشرع وتحقيق العدالة الاجتماعية، والترفع عن إثارة النعرات الطائفية والمذهبية والعنصرية والمناطقية.
وفي الختام تلكم في اعتقادي أهم المهام المفروضة في سبيل استلهام الدور الريادي والقيادي للأمة العربية والإسلامية على دول العالم الإنساني قاطبة وإلى لقاء يتجدد بكم والله المستعان على ما يصفون.
عصام المطري
الإعلام العربي.. والمهام المفروضة 1289