في الاحتلال للأوطان والبلدان غبن وهضم للحقوق والحريات، وتجسيداً لقانون الغاب، وإعمالاً للفوضى الأمنية والسياسية الأممية في عالم يجب أن تسوده وتسيطر عليه قيم الخير والعدالة والكرامة الإنسانية, ذلكم أن هذا عامل استقرار عالمي يشجع على بتر أيادي الابتزاز والاستغلال لثروات ومقدرات وإمكانات الشعوب والأمم، ويعاقب من يحاول إذلالها واستعبادها وطمس معالمها الحضارية، وهويتها الدينية والقومية، فالاحتلال يعد من أبشع صور الاستعباد ومن أقبح أشكال الابتزاز، ومرفوض مهما كانت المبررات.
لقد تعرضت "عدن الحبيبة" للاحتلال البريطاني البغيض عام1937م من خلال الحملة البحرية بقيادة الكابتن/ هنس تحت ذريعة اعتداء أبناء عدن البالغ عددهم وقتذاك ستمائة شخص, أغلبهم صيادون, على باخرة بريطانية، علماً بأن البريطانيين كانوا يحلمون باحتلال عدن لقاء موقعها الجغرافي, ولم تكن تلك الحادثة سوى ذريعة لتحقيق المآرب والأطماع التوسيعية للكيان البريطاني الذي كان يطمح في جعل ميناء عدن ميناءً فعالاً لتصدير الفحم من خلاله إلى جميع أنحاء العالم، وكان له ذلك، حيث أصبح ميناء عدن آنذاك أول ميناء في العالم لتصدير الفحم، هذا فضلاً عن كون عدن ستكون لهم قاعدة ومنطلقاً للسيطرة على الممر المائي العالمي "مضيق باب المندب" الذي يربط بين عدة قارات، علاوة على مطامعهم في إنشاء محمية بالقرب من الهند التي كانت تحت سيطرتهم لاستيراد التوابل.
وذهب الاحتلال البريطاني اللعين مذاهب عدة في السيطرة التامة على مناطق الجنوب المحتل آنذاك، حيث قاموا بدعم السلاطين والمشيخات وقدموا لهم كافة أشكال وصور الدعم المادي والمعنوي في سبيل إخضاع شعب الجنوب لحكم الاحتلال، وساس السلاطين على أساس قاعدته البرجماتية الفظيعة الشهيرة "فرق تسد" ومن ثم أصبح أولئكم السلاطين أُلعوبة بأيدي المحتلين، وكانوا وسائط لنهب المقدرات والثروات، ومع ذلك فإن البريطانيين لم يهتموا بالسلطنات، حيث رزحت جميع السلطنات تحت طائلة التخلف والفقر والجهل والحرمان من أبسط مقومات الحياة على عكس عدن التي اهتموا بها وعملوا على تطويرها للأسباب التي ذكرتها آنفاً.
وخلال مائة وخمسة وثلاثين عاماً من الاحتلال البريطاني حاول فيه المحتلون طمس معالم الشخصية والهوية الإسلامية والقومية لأبناء عدن، حيث شجع الاحتلال على الهجرة إلى داخل عدن من اليهود والهنود والصومال والبريطانيين، وتوسع في بناء المعابد والكنائس وشجع دعوات التبشير، إلا أن أبناء الشمال وبعض المناطق في الجنوب لم يرقهم ترك عدن هكذا، فاخترقوا السياج الحديدي المصطنع الذي كان يزيد من عزلة وغربة عدن، فمنع البريطانيون أبناء اليمن المهجرين من الشمال من الالتحاق بالمدارس الحكومية, مما دفع بالمهجرين اليمنيين إلى إنشاء مدارس أهلية، أما الوظائف الحكومية في عدن كانت حكراً على المهجرين البريطانيين واليهود والهنود والصومال، ومن المقربين من السلاطين، حيث خلق هذا الوضع رفضاً شعبياً وجماهيرياً حتى اندلعت ثورة الرابع عشر من أكتوبر المجيدة عام1963م, إلى أن تم الاستقلال التام في الثلاثين من نوفمبر عام1967م.
واليوم يتعاظم ألق الاستقلال في الوطن الواحد الموحد الذي لن تفلح المخططات التآمرية في تجزئته وتقسيمه بصيغ حديثة وزائفة، فلا نريد عودة السلطنات والتجزؤ الحقير للوطن اليمني الذي سيدافع عن وحدته ويمهرها بالدماء الطاهرة الزكية إن فرض عليه ذلك، فما أجمل أن نحتفي ونحتفل هذه الأيام بصمود أبناء الوطن الواحد في مواجهة الصلف والنزق والاحتلال الأجنبي البريطاني الذي جثم على صدر الوطن, إلا أنه لم يتمكن من تغريب الشخصية المسلمة اليمنية التي مازالت تبدي ارتباطاً قوياً بدينها الإسلامي الحنيف الذي يعد مصدر قوتها وعزتها وسؤددها، فإلى إحياء مُثل وقيم ديننا الإسلامي الحنيف في وحدة الصف والإخاء الرباني والتسامح والتراحم والألفة والمودة.. وإلى لقاء يتجدد بكم بإذن الله والله المستعان على ما يصفون.
عصام المطري
ألق الاستقلال 1084