السعادة في الوسط والوسطية و"الاعتدال "مطلب شرعي وعقلي لا غلو ولا جفاء لا أفراط ولا تفريط ومن أراد السعادة فعليه أن يضبط عواطفه واندفاعاته وليكن عادلا في رضاه وغضبه وسروره وحزنه لأن الشطط والمبالغة في التعامل مع الأحداث ظلم للنفس وما احسن الوسطية وما أجمل من يعتنقها! فان الشرع نزل بالميزان والحياة قائمة على القسط ومن أتعب الناس من طاوع هواه واستسلم لعواطفه وميولاته, حينها تتضخم عنده الحوادث وتظلم لديه الزوايا وتقوم في قلبه معارك ضاريهً من الأحقاد والدخائل والضغائن لأنه يعيش في أوهام وخيالات حتى أن بعضهم يتصور أن الجميع ضده وأن الأخرين يحبكون له مؤامرة لإبادته والقضاء عليه وتملي عليه وساوسه أن الدنيا له بالمرصاد فلذلك يعيش في سحب سود من الخوف والقلق والهم والغم فيضل في سهر دائم وحزن طويل.
إن الإرجاف ممنوع شرعا رخيص طبعا ولا يمارسه إلا أناس مفلسون من القيم الحية ,والمبادئ الربانية(يحسبون كل صيحة عليهم)اجلس قلبك على كرسيه فأكثر ما تخاف لا يكون ولك قبل وقوع ما تخاف وقوعه أن تقدر أسواء الاحتمالات ثم توطن نفسك على تقبل هذا الأسواء حينها تنجو من التكهنات الجائرة التي تمزق القلب قبل أن يقع الحدث فيبقى أيها العاقل النابه أعط كل شيء حجمه لا تضخم الأحداث والمواقف والقضايا بل اقتصد واعدل ولا تجر ولا تذهب مع الوهم الزائف الذي يكاد يعصف بحياتك ولا تذهب مع السراب الخادع ,اسمع ميزان الحب والبغض في الحديث(أحبب حبيبك هوناً ما فعسى أن يكون بغيضك يوماً ما وأبغض بغيضك هوناً ما فعسى أن يكون حبيبك يوماً ما وأصغي لكلام ربنا سبحانه(وكذلك جعلناكم أمة وسطاً) فالوسطية منهج رباني حميد يمنع العبد من الحيف إلى احد الطرفين .. إن من خصائص الإسلام انه دين وسط فهو وسط بين اليهودية والنصرانية اليهودية التي حملت العلم وألغت العمل والنصرانية التي غالت في العبادة واطرحت الدليل فجاء الإسلام بالعمل والروح والجسد والعقل والنقل وإن مما يسعدك في حياتك الوسطية ,الوسطية في عبادتك فلا تغلو فتنهك جسمك وتقضي على نشاطك ومداومتك ولا تجفو فتطرح النوافل وتركن إلى التسويف ووسط في خلقك بين الجد المفرط واللين المتداعي بين العبوس الكالح والضحك المتهافت بين العزلة الموحشة وبين الخلطة الزائدة على الحد
فكن صاحب منهج وسط منهج الاعتدال في اخذ الأمور والحكم على الأشياء ومعاملة الأخرين فلا زيادة يطفو بها كيل القيم ولا نقص يضمحل به أصل الخير صورة مضمّنة.
هشام عميران
الوسطية والاعتدال 1557