ما زلت أتذكر إطلالاته عبر الفضائيات، وهو يعرض مبادراته المتعفنة بأرخص الأثمان، وفى مرات أخرى يبرر ويفسر الاعتداء والبلطجة.. ببلطجه أخرى ( بلطجيه معروفين .. مستأجرين ) تفوح منه رائحة الغاز المباع، ويكاد لعابه بين شدقيه يكشف سائل النفط المنهوب مختلطاً بدماء شباب ساحة التغيير وأحرار عدن, إنه "فارس العرب" الكذاب الذى لا يستقر على مبدأ أو موقف، ولا يعرف الخجل.. كنت – وما زلت – أرى هذا النوع من "الفرسان" كنوع من السماسرة، فالسمسار يسعى بكل وسيلة للترويج لسلعة حتى وإن كانت فاسدة، وهو وسيط كل ما يهمه هو أن يحصل على "عمولته" أو "عمالته" من الطرفين (ثروات الشعب والفساد) كنت أنتظر "إطلالة" هذا السمسار وأشباهه، بعد الاعتداء علي المعتصمين في ساحة التغيير، ولم يخب ظني، فقد سارع بالظهور كي يحلل ويفلسف ما دار في صنعاء، وبما يتناقض بشكل كامل مع تصريحاته وفلسفاته السابقة على مر السنين, يعتمد هذا " الفارس " الكذاب في نجاحه كسمسار على ضعف ذاكرة الناس، فمن لديه القدرة أو الوقت أو حتى الاهتمام لمراجعة كل ما قاله أو كتبه ذلك السمسار، وحتى إذا واجهه أحد بمواقفه السابقة، فإنه يغمض عينيه وقد يدمع أسفاً، وهو يدعى الوقوع في خديعة أو مؤامرة، مبدياً الندم وراجياً المغفرة.. والناس في بلادنا قلوبهم طيبة.. جد طيبة. تلك القنوات الحربائية التي تزغرد الآن بجوار "الفارس" مهللة بمنجزات القيادة الفاشلة .. بجرأة سقط عنها برقع الحياء. لقد أسهمت قنواتكم المسمومة في خداع الحاكم والمحكوم.. فكم زينتم للحاكم سطوته وتباريتم في التفسير والتضليل، فظن أهل الحكم أنهم لا ينطقون عن الهوى، وأن جموع الشعب راضية سعيدة هانئة.. ولم تتأخروا في وضع الكثير من السم في القليل من العسل كي تخدروا عقول الأمة ووعيها.. وكيف لا، والناس تتطلع إليكم باعتباركم أفضل العقول وأخلص القلوب. إن تلك القنوت السمسارة لا تحترم عقول الناس مثلها مثل النظام الفاسد الذي يجب أن تختفى. أخشى أن الأمر يبدو وكأن روح الثورة قد انطلقت مثل سهم، فسقط "النظام" جثة هامدة.. وبينما واصلت الروح انطلاقها إلى عنان الآفاق، ستتزاحم "السماسرة" حول ما تبقى من "جيفة" السلطة الخامدة يتعاركون ويتدافعون، يلعقون ديدانها من أجل الظفر بنصيب من الفريسة. إن زمن التطهير لابد أن يبدأ فوراً، قبل أن تلتف الثعابين حول الطفل البريء، ولا أعنى بالطبع محاكم التفتيش ونصب المشانق، وإنما الفرز الصحي الذى يضمن تسليط الضوء على هؤلاء السماسرة الخفافيش، كي يمكن محاسبتهم وعزلهم بعيداً عن الرأي والوعى العام، لأن شرف شباب التغيير لا يمكن أن تلوثه رغبات الانتقام أو تضيع وقته الثمين في متاهات صيد السحرة والسماسرة, لقد سقط "الفارس" في تونس وتبعه فارس مصر المخضرم، ومن ثم سارع السماسرة مرة أخرى كي يلتفوا على السلطة، ويحاولوا أن ينتزعوا ثمار دماء الشهداء ويرصونها أرصدة في بنوكهم.. لقد حدث ذلك مع كل الثورات تقريباً، والأسباب عديدة، أهمها أن الثوري الحقيقي يتعفف عن التنازع حول "جيفة" السلطة، ويترفع على المكاسب الأنانية الضيقة، ويتوهم أن لعبة السياسة تدار بقواعد مثالية.. لذا يقال إن "الثورة تأكل أولادها" أقول لشباب التغيير أحذروا من هؤلاء السماسرة الذين بدأت رؤوسهم في الصعود، أنهم في الغرف المغلقة الآن يبرمون الصفقات ويخترعون المبادرات ويحددون مقدار العمولة والعمالة، يعصرون نفس الخمور القديمة كي يعبئوا بها قوارير جديدة، ثم يصبوا منها في عقول الناس.. وأرجو من شبابنا الطاهر ألا يستمعوا لصوت الحكمة المزعومة من شفتين كاذبتين .. تباً لخيول العجز وأبقار الزمن الماضي وقرود السلطان.. تباً لسماسرة العهد الماضي والحاضر والمستقبل.. تباً لبائعي الخوف والخنوع في أسواق العبيد, أيها الشباب .. خطوة صغيرة للخلف كي تتأملوا إلى المشهد كله، وتتضح لكم محافل السماسرة، تاريخهم مسطور عبر السنين مهما حاولوا اليوم محوه وإخفاؤه.. خطوة للخلف كي تقرأوا من زيفوا وعى الناس، وسجدوا للسلطان كي يلقى لهم بكيس عمولتهم أو عمالتهم.. أنتم أذكى من أن تسقطوا في نفس الحفرة التي سقط فيها آباؤكم
عبد الوارث الراشدي
سماسرة الثورة 1529