شعرت اليوم أكثر من أيّ وقت مضى بهول المصيبة التي حلّت بهذا الوطن الكسير والتي تمضي في حدّ وجعها للإجهاز على ما تبقى في جسده المتهالك من عافية وروح.
مصيبة التهافت الأخلاقي وقد غدت منصّةً متنقلة لإطلاق الكثير من قذائفها التدميرية العابرة للجحيم.
لم نقدّر جيّداً فداحة أن نخوض غمار هذه الحياة دون عتادٍ من أخلاق أو قيم، فبدت خطواتنا مرتعشة وسام توجهنا التعثّر والسقوط، وفي ذاتِ كل سقوط، كان جزءاً من الوطن يسقط في قبضة الفوضى فنقعُ- شئنا أم أبينا- في كمائن لا متناهية من الإحباط والخيبات والفشل، دون الإفلات منها "خرط القتاد".
تساقطنا أخلاقيّاً وما هذا الحضور المكثف لقوى الشر في إدارة أمر واقعنا, وهذا النكوص المستمر في مسيرة وطنٍ- طالما أشار إليه الزمان بسبّابة الدهشة- إلاّ أثراً طبيعياً لهذا التهافت الوخيم..!!
لقد أحببنا هذا الوطن قولاً... مجّدناه، خلعنا عليه شعاراتنا "الرنّانة" الضجّة بالقداسة والسموّ، لكننا- وتلبية لنوازع النفس الأمارة بالسوء- كنّا لا نتردد عند أقرب منعطف شخصي من منابذته وبيعه بأبخس الأثمان!.
تناسينا تلك التراتبية المنتظمة في سياق ذكر المولى عز وجل ل "خيريّة" هذه الأمة وتقديمه لمسألة الأخلاق على الإيمان به.
وما يمثّل ذلك من دلالة واضحة في عِظَم الأخلاق وأهميتها كرافعة متينة لصناعة التحوّلات العظيمة في حياة الشعوب.
أيضاً تناسينا المآثر التي تركها لنا الأجداد وهم يؤسّسون بمكارم الأخلاق نواة ارتقائهم ونهضتهم التي دثّرت من صحراء مكة القاحلة أصقاعاً شتى من العالَم ظلت رهن صقيع العبوديّة والتخلف والهوان، وإن حصل وتمّ استحضارها، فمن باب ستر عَورة واقعنا الدميم وعجزنا ليس إلاّ.
تناسنيا كل ذلك، وكنّا إثر كل خسارة وهزيمة لا نخجل من اعتلاك ذات السؤال:
لماذا لم ننتصر؟
سيطول بنا الحديث ونحن نستعرض مساوئ هذا التآكل الأخلاقي ودوره البارز في كل هذه التصدّعات الغائرة في جسد هذا الوطن المكلوم الكسير.
وحتّى لا نضلّ ندور في ذات الحلقة المفرغة الكئيبة يجب أن نتخطى الوقوف العبثي بين يدي المظاهر والانتقال الفاعل الجاد نحو معالجة الأسباب؛ مدجّجين بحقيقة:
إنّما الأمم الأخلاق ما بقيت فإن همُ ذهبت أخلاقهم ذهبوا.
وقد ذهبنا.. ذهبنا.. فمتى – يا ليت شعري - نعود؟.
غيلان العماري
إنّما الأمم الأخلاق ما بقيت! 1348