ربما الكثيرين لم يدركوا معاني شرف المهنة ومعالم شرف تحمل المسؤولية, ومقاصد الحرص على الصحة والحياة.. وذلك من خلال التفاني والشموخ والرقابة والمواظبة والطموح والاهتمام والإتقان والإخلاص وتحمل المسؤولية الكاملة عند أدائه وواجباته وعمله.. وخصوصاً عندما تكون هذه السلوكيات المهنية والإدارية والأعمال والأفعال والالتزام والطموح يكون مصدرها شاب يمني يعمل مع صندوق النظافة.. وبراتب لا يستطيع أحداً ربما أن يذكره.. عند ذلك كانت محطتي أجبرت عندها على التوقف والتأمل والنظر إلى شاب أجبرني أن أحترمه وأقدره وهو يقوم بعمله الإنساني والوطني وبثقته وثقافته وحسن مظهره وهو ينظف ذلك الشارع.. اقتربت وسلمت عليه.. ودار بيننا هذا الحوار...
قلت له ممكن أخي تعرفنا عليك؟ فرد عليّ وبكل ثقة وشموخ.. الاسم/أ. م. ح.. متزوج.. حاصل على بك في الإدارة.. وأعمل مع صندوق النظافة والتحسين.. عامل نظافة.. ومشرف.. وأقوم بأعمال أخرى متعددة.. ربما مثل الوزير تماماً.. فقلت له..إيش تقصد عندما قلت مثل الوزير..؟ قال لي.. ما فيش فرق بين عملي وبين عمل الوزير.. فالعمل عبادة كان عندي أو عند الوزير.. فالفرق ربما هو الرتبة والمكانة والقرار والرصيد المالي.. أما المضمون هو العمل الإداري والإخلاص فيه والمعرفة والتأهيل وإصدار التوجيهات والأوامر ووضع الخطط.. وغيرها.. فقلت له.. لماذا اخترت هذا العمل..؟ وأنت ربما يبدو من حماستك وكأن لديك طموح أن تكون مديراً أو زيراً.
المفروض تبحث لك عن عمل آخر ربما يؤهلك إلى أن تكون وزيراً كما قلت.. فقال لي.. بصراحة لم أجد ما أقدمه لشعبي ووطني ..إلا هذه المهمة وهذه الطريقة.. التي ربما أحاول أن أخدم فيه الناس حينها أشعر أنني أقدم شيئاً للشعب وللوطن.. حتى وإن كنت عامل نظافة.. فتلبدت لساني عن أن أكمل معه الحوار...فشكرته على عمله وإخلاصه.. وحبه لمجتمعه ووطنه.. فتركته وانصرفت متأثراً ومتعجباً وخجولاً من أنفسنا ومن أولئك المعنيين والمتجاهلين مثل هذه الأرقام الهامة.. والتي ربما تعادل أو تنافس رتبة الوزير كما قال لي ذلك الشاب.. المهم..
فمن هذا المنطلق.. ينبغي على الجهات المعنية والشعبية والاجتماعية والخيرية أن تعيد النظر في كيفية التعامل مع هذه الشريحة.. التي لولاها ما تمتعنا بصحتنا وبحياتنا.. ولولاها ما تباهينا بوطننا.. ولولاها ما مثلنا وصورنا ونقلنا وشاهدنا.. ولولاها ما استقبلنا وودعنا الضيوف والمسافرين.. فهناك بعض المفارقات والمعادلات التي يجب حلها سريعاً.. ألا وهي التوجه العام نحو هذه الشريحة التي ينبغي على الجميع مساندتها ومساعدتها والاهتمام بها وتقديم لها العون والدعم وتحاط بكل الرعاية والحوافز المادية والمعنوية.. حتى يتم لهذه الفئات أن تضاعف جهودها وأعمالها وتنجح في مهامها وواجباتها.. لكن هناك.. وللأسف الشديد من القائمين والمشرفين والمسؤولين والإداريين.. لا يدركون أهمية هذه المهنة الحساسة التي تعتبر من أهم المعالم الحضارية والإنسانية والمهنية على أرض الواقع التي يجب أن تحاط بالرعاية وبالاهتمام لكل من ينتسب ويعمل تحت إداراتها.. لهذا يتوجب على عامل النظافة أن يقوم بعمله على أكمل وجه.. حتى يتم ترقيته وإعطاءه حقه ومستحقاته ورفع معاشه حتى على الأقل مثل حارس أو سائق الوزير.. وعلى الجهات المسؤولة أن تقوم بواجباتها الوطنية والإنسانية والمهنية والإدارية في مختلف الجوانب بشكل عام ومع عامل النظافة بشكل خاص.. حتى يتسنى له أن يعلو ويشمخ ويطمح ويلتزم ويخلص ويحافظ على مجتمعه ومدينته.. ويطمح وبكل ثقة وشموخ أن يكون عامل نظافة وبدرجة وزير.. والله المستعان.
د.فيصل الإدريسي
عامل نظافة بدرجة وزير..!! 1144