أنت.. أيها الموظف أياً كان موقعك وفي أي مكان كنت، أهمس في أذنك هذه الكلمات، أنك لم تجلس على هذه الكرسي الذي أنت عليه إلا من أجل خدمة الناس وقضاء حوائجهم وأداء الأمانة التي تحملتها، أفلا ترى أنك بحسن الاستقبال والابتسامة وإظهار الاهتمام بالمراجع وحاجته تمتلك قلوب الآخرين ؟ حتى وإن لم تقضِ حاجتهم، بمجرد حسن الاستقبال والابتسامة، وربما خرجوا من عندك بنفس راضية ولسان يلهج بالثناء والدعاء بل ربما أثنوا عليك ورفعوا ذكرك بكل مجلس، كل هذا وأنت لم تقضِ حاجتهم، بل ملكتهم بحسن الأخلاق، فكيف لو استطعت قضاء حاجتهم وتيسير أمرهم كيف سيكون الحال؟ أيها الموظف، أنظر للنتيجة التي وصلت إليها، كسبت القلوب والذكر الحسن، وقبل ذلك كله كسبت رضا الله عز وجل، ألم يقل الرحمة المهداة : (( ابتسامتك في وجه أخيك صدقة )) : ألم يقل(الكلمة الطيبة صدقة ) ألم يقل ( من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته ) ألم يقل ( والله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه )ألم يقل ( خير الناس أنفعهم للناس ) إذن فأنت في عبادة وأنت على مكتبك فلماذا تحرم نفسك هذا الخير العظيم ، فقط استعن بالله، وأخلص النية لله، واتصف بمكارم الأخلاق وأحرص على نفع الناس، وستجد التوفيق في الدنيا والآخرة، ذكر حسن وجميل وحب وتقدير، هذا في الدنيا، وآجر كبير من العليم الخبير في الآخرة، كل هذا من خلال عملك ووظيفتك، أجر وغنيمة، والموفق من وفقه الله .
و سبحان الله نرى الكثير من المحرومين ممن حرم نفسه من هذا الخير العظيم، ربما قلت لي : الناس لا يرضيهم إلا تلبية رغباتهم وتنفيذ ما يريدون، بل ربما قلت : إن ميزان الناس اليوم في الحكم على الآخرين هو مصالحهم الشخصية، فأقول لك : نعم . وهذا هو واقع الحال، ونحن لا نبرء أنفسنا، ولكن أخي الحبيب، هب أنك بذلت لهم ما استطعت وتخلقت معهم بأحسن الأخلاق ولم يرضوا عنك، أليس حسبك أن يرضى الله عنك؟ فإنه يعلم أنك قدمت وبذلت ما بوسعك.
إذن فأجرك على الله، وإن لم يرضَ الناس، فتذكر دائماً أن من أرضى الله بسخط الناس رضي الله عنه وأرضى الناس. فاحرص على فضائل الأخلاق وفن التعامل مع الناس، فإن رسول الله ، يقول : (( خياركم أحاسنكم أخلاقاً، وإن العبد ليبلغ بحسن خلقه درجة الصائم النهار القائم الليل ))أو كما قال .
معاشر الموظفين، إن الإسلام بيَّن ما ينبغي أن يكون عليه حال من يلي أمور الناس ، فالموظف في أي إدارة مسؤول كأي فرد، ومسؤول عن قيامه بالواجب وفي مقدمة ذلك الإحسان إلى الناس وقضاء حوائجهم والرفق بهم وعدم المشقة عليهم وتعطيل مصالحهم، وهذا يدعونا للحديث عن عنصر مهم جداً.
فبعض الموظفين له هواية في تعطيل مصالح الناس والتنقيب في خفايا المعاملات وألفاظها وكل همه أن يثبت قوة شخصيته وأهمية مكانـتـه، فالشك عنده هو الأصل ، والحسابات والهواجس تأكل رأسه قبل دخول المراجع عليه وحتى ينتهي من الإجراءات، ومن فعل ذلك فلا يلومن إلا نفسه، ليس مني الضعيف وليس من أحد من المخلوقين الضعفاء، بل من الله عز وجل. اسمع لحديث النبي يوم قال : ( اللهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشق عليهم فأشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فأرفق به).
قال النووي رحمه الله: ( هذا من أبلغ الزواجر عن المشقة على الناس وأعظم الحث على الرفق بهم، وقد تظاهرت الأحاديث بهذا المعنى 000 إلى آخر كلامه ) .
الأمر أعظم من هذا، فالموظف أو المسؤول الذي يوقع الناس في المشقة بالإساءة إليهم ومنعهم من حقوقهم وتحميلهم ما لا يطيقون يستحق غضب الله تعالى وعقابه، فقد جاء الوعيد الشديد لذلك الموظف الذي يمتنع من استقبال الناس أو يمتنع عن القيام بمعاملاتهم أو يتسبب في تعطيلها وتضيع حقوقهم كما، قال النبي صلى الله عليه وسلم: ( من ولاه الله شيئاً من أمر المسلمين فاحتجب دون حاجتهم وخلتهم وفقرهم احتجب الله عنه دون حاجته وخلته وفقره).
فتأمل أيها الموظف هذه الأحاديث فإن الله عزيز ذو انتقام وعنه الله تجتمع الخصوم.
هشام عميران
همسات للموظفين..كسب القلوب ومغفرة الذنوب (4) 1237