يا أصدقاء، الصبر في “بيروت” قولوا لنا: في أي أرض يزرعون الصبر؟ تساؤل ألقاه من شرفة التعجب هزار الشعر العربي “نزار” قباني, وهو -لا شك- يدرك أن ليس غير المشاعر العربية يمكن لها أن تكون أرض هذا المحصول المر, الذي انتشر بكثافة على سفوح القهر العربي, وأوديته السحيقة.
ذات ارتباط بالسماء وثيق؛ ظل الاندفاع نحو الصبر يمثّل خياراً روحانياً لشحن التوجهات بالمزيد من طاقة المثوبة والأجر, اليوم وفي ظل اتساع رقعة الانحسار الروحي, أخذ التدافع يمضي نحو مربعاته ليس رغبة فيما تقدم إنما رهبة من قمع قوى الخوف المتطرفة التي أنجبت الوقائع –تحت سطوتها-واقعاً أسهم وما يزال في وأد التطلعات والأحلام.
واقع مضرّج بالهزيمة والانكسار, كلما هممت في الكتابة عنه؛
صفدتني سلاسل حزن وأسى دون الفكاك منها “خرط القتاد”
أتعثر, أتبعثر, أتوه وسط أكوام المشاهد البائسة التي تغمد في خاصرة الروح وجعاً نازفاً يمتد من أقصى الأنين إلى أقصاه..
ما الذي يحدث؟
لماذا العرب دون غيرهم أكثر عرضة لقصف النوائب والخطوب؟
ألم يحن الوقت- بعدُ - لأفراحهم أن تثب في وجه الأسى القمعي وتعلن تمردها عليه؟ ما الذي يحول دون ذلك وقد قطعت هذه الشعوب -المقطوعة من شجرة السعادة- أشواطاً مضنية من الصبر في سبيل إلقاء القبض على كائن الفرج العربي الفار من وجه تطلعاتها وأحلامها منذ أمد بعيد!.
لا شيء هنا يوحي بإجابات تحد من تلك التساؤلات المعفّرة على وجه الحسرة,
فحتى الصبر الذي ظهر في أزمنة مختلفة وكأنه السلاح الناجع والفعال بيد المشاعر العربية تقذف به الضائقات والمحن؛ يقف اليوم مترهلاً على دكة العجز بعد أن فسخ عقد ارتباطه مع السماء واتجه نحو أندية الوهم لاحتراف الأنين والأنين ليس إلا.
إن صبراً يدهس بوعوده المتكررة حاضرك؛ حضور ينبغي أن يغيب بل يغيّب,
غير ذلك معناه خنوع لإرادة الضعف, بل ضعف يمضي لإدارة الحياة بأساليب استسلاميه أكل الدهر عليها وشرب .
فلماذا المزيد منه وقد غدت كل جبهات مشاعرك –في ظل سيطرته- ساحة مفتوحة لغارات القهر والحرمان؟ آن الأوان أن تنهض وتخلع عنك أسمال الخوف, كُن عارماً حد الحقيقة, فقوى الزيف - التي ظلت تدعم بسخاء قضايا التهجير القسري لأحلامك, وقضايا الحزن الاستيطانية التي ابتلعت مساحة واسعة من مشاعرك؛ لاشك ستتساقط تترى أمام ضربات الثقة الموجعة؛ ثقتك بعدالة أحلامك, ثقة الأحلام بالحق وثقة الحق بعدالة السماء؛ منظومة قيم ستزحف باتجاه تطهير المشاعر العربية من بؤر التردد والعجز باعتبارها مثّلت - ولا تزال - ملاذاً آمناً لانتشار وتكاثر فيروسات الفشل القاتلة.
غيلان العماري
تحت خط الصبر! 1387