الرجولة.. وصف يمس الروح والنفس والخلق أكثر مما يمس البدن والظاهر، فرب إنسان أوتيَ بسطة في الجسم وصحة في البدن يطيش عقله فيغدو كالهباء، ورب عبد معوق الجسد قعيد البدن, وهو مع ذلك يعيش بهمة الرجال.
فيا للغرابة والعجب من ذلك الشخص الذي حينما ترى فيه اعوجاج وسلوك يخرجه عن رجولته فتحاول نصحه حباً فيه لكن سرعان ما يحمر وجهه ويعلو صوته ويلفظ (ألة الذكور) بصوت مرتفع محاولة لإثبات رجولته مع أنه يتجاهل معنى الرجولة!.
الرجل: قد يطلق ويراد به الذكر: وهو نقيض الأنثى، وعند إطلاق هذا الوصف لا يراد به المدح وإنما يراد به بيان النوع كما قال تعالى: (للرجال نصيب مما ترك الوالدان والأقربون وللنساء نصيب مما ترك الوالدان والأقربون مما قل منه أو كثر)، (وإن كان رجل يورث كلالة أو امرأة).
والرجولة وصف اتفق العقلاء على مدحه والثناء عليه، ويكفيك إن كنت مادحاً أن تصف إنساناً بالرجولة، أو أن تنفيها عنه لتبلغ الغاية في الذمّ.
ومع أنك ترى العجب من أخلاق الناس وطباعهم، وترى مالا يخطر لك على بال، لكنك لا ترى أبداً من يرضى بأن تنفى عنه الرجولة !.
أما في عصر الحضارة والمدنية المعاصرة، عصر غزو الفضاء وحرب النجوم، عصر التقنية والاتصال، ارتقى الناس في عالم المادة، لكنهم انحطوا في عالم الأخلاق والقيم، صعدوا إلى الفضاء وأقدامهم في الوحل والحضيض، تطلعوا إلى الإنجاز المادي وهممهم حول شهواتهم وأهوائهم (إن هم إلا كالأنعام بل هم أضل سبيلاً).
وورث المسلمون من هؤلاء العفن والفساد، ورثوا منهم مساوئ الأخلاق، وساروا وراءهم في لهاث وسعار، فلا للمدنية والحضارة أدركوا، ولا لأخلاقهم ورجولتهم أبقوا؛ فاندثرت الأخلاق والشيم مع عالم المادة، وصرنا بحاجة إلى تذكير الرجال بسمات الرجولة، وأن نطالب الشباب أن يكونوا رجالاً لا صغاراً ولا مجرد ذكور فكم بين وصف الذكورة والرجولة من فوارق.
قد تطلق الرجولة ويراد بها وصف زائد يستحق صاحبه المدح وهو ما نريده نحن هنا.. فالرجولة بهذا المفهوم تعني القوة والمروءة والكمال، وكلما كملت صفات المرء استحق هذا الوصف أعني أن يكون رجلاً، وقد وصف الله بذلك الوصف أشرف الخلق فقال: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِم مِّنْ أَهْلِ الْقُرَى). فهي صفة لهؤلاء الكبار الكرام الذين تحملوا أعباء الرسالة وقادوا الأمم إلى ربها..
وكثيرون هؤلاء الذين يحبون أن يمتدحوا بوصف الرجولة ولكن لا يسعفهم رصيدهم منها فيلجؤون إلى أساليب ترقع لهم هذا النقص وتسد لهم هذا الخلل، ومن هذه الأساليب:
1ـ محاولات إثبات الذات: التي غالباً ما يلجأ إليها الشباب المراهق، فيصر على رأيه ويتمسك به بشدة حتى تغدو مخالفة الآخرين مطلباً بحد ذاته ظناً منه أن هذه هي الرجولة.
2 - التصلب في غير موطنه: والتمسك بالرأي وإن كان خاطئاً، والتشبث بالمواقف والإصرار عليها وإن كانت على الباطل ظناً أن الرجولة ألا يعود الرجل في كلامه وألا يتخلى عن مواقفه وألا يتراجع عن قرار اتخذه وإن ظهر خطئه أو عدم صحته.
3 - القسوة على الأهل: اعتقاداً أن الرفق ليس من صفات الرجولة وأن الرجل ينبغي أن يكون صليب العود شديدًا لا يراجع في قول ولا يناقش في قرار، فتجد قسوة الزوج على زوجته والوالد على أولاده والرجل على كل من حوله.. مع أن أكمل الناس رجولة كان أحلم الناس وأرفق الناس بالناس مع هيبة وجلال لم يبلغه غيره رسولنا صلى الله عليه وسلم.
ويوجد سوى ما ذكرنا أمور يحاول البعض إثبات رجولته بها رغم أنها لا تعلق لها بهذا الوصف إلا في ذهن صاحبها.. فمن ذلك: ظاهرة التدخين لدى الناشئة والصغار، أو مشي بعض الشباب مع الفتيات أو معاكستهن ومغازلتهن، أو التغيب عن البيوت لأوقات طويلة، أو إظهار القوة والرجولة من خلال المشاجرات والعراك مع الآخرين .. غير أن كل هذه التصرفات لا تدل في واقع الأمر على اتصاف صاحبها بهذا الوصف الكبير الدلالة.. والحق أن الشاب أو الإنسان الذي يملك مقومات الرجولة ليس بحاجة إلى تصنعها أو إقناع الآخرين بها، فمالم تنطق حاله بذلك، ومالم تشهد أفعاله برجولته فالتصنع لن يقوده إلا إلى المزيد من الفشل والإحباط.
لقد كانت الرجولة إرثاً يتوارثه الناس لا تعدو أن تكون بحاجة إلا إلى مجرد التهذيب والتوجيه، أما اليوم فقد أفسدت المدنية الناس، وقضت على معالم الرجولة في حياتهم، فنشكو إلى الله زماناً صرنا فيه بحاجة إلى التذكير بالشيم والمكارم وأخلاق الرجال.
هشام عميران
همسة...الرجولة ! 1407