إن المتابع للتاريخ يرى أن الحضارة والنهضة لا تستقر في مكان, ولا ترتبط بثقافة واحدة و لا شعب متميز..
إن السر في نهضة الأمم وتقدمها هو الوعي المجتمعي الذي يجمعها على هدف واحد وينبع من هوية مشتركة, هذا الوعي الذي يجمع الأمم قد يكون سبباً في تقدمها, أو تفتتها, وقد يكون سبباً للنهوض والاستسلام, وقد يكون حافزاً على التحدي ومواجهة الصعاب وقد يكون السبب في الاستسلام أمام محنة أو هزيمة..
ولكي نصنع الوعي الجمعي للأمم نحتاج إلى الاتفاق على هوية ومبادئ تجمع البشر ونحتاج إلى هدف يوحد مسارهم, فالجغرافيا والسكن والمكان وحده لا يكفي لعمل وعي جماعي, فمن الممكن أن تسكن قبائل متناحرة نفس المنطقة, وكل منها له هوية مختلفة وهدف مختلف..
إذاً فلكي ننهض ونرتقي ونعلو بشتى مجالات الحياة, ولكي نكتب من السعداء ومن الصاعدين نحو التقدم والرقي والعلاء لا يكفي فقط أن يكون هناك دستور أو قانون أو ديموقراطية شكلية, بل يجب أن يصاحبها وعي جمعي وبإدراك وفهم بحجم الوعي يتجمع الناس حوله ويتقدمها ويحرص على تفعيل القانون وتطبيق المبادئ للوصول إلى النهضة المادية والعقلية والروحية..
إن الأخلاق يجب أن تكون هي المحور الأصيل لهذا الوعي الجمعي.
فالمبادئ التي تشمل لا تقتل ولا تكذب ولا تغش ولا تسرق, مبادئ تحافظ على أي كيان إنساني وتحميه من الضياع ولكن إذا تحولت هذه المبادئ إلى إيجابية فيصبح الحرص على الصدق والأمانة والاتقان جزء من الهوية والثقافة..
فهنا يكون صناعة الهوية وليس فقط حمايتها وهنا تتحول الهوية المجمعة والوعي الجماعي إلى شرف, وتتحول المجموعة البشرية المؤمنة بوحدة الوعي الجماعي إلى جسد واحد, وعند هذه المرحلة يصبح كل عضو في هذه الجماعة لديه الكرامة والترفع ما يمنعه أن يأتي الدنية أو أن يفعل ما يعيب هويته من مفاسد الأخلاق فيصبح الكذب عيباً والغش إهانة ولا يرضها لنفسه أي عضو في هذه الجماعة..
في حين إن الجماعة المتفككة والمنحرفة أخلاقياً والتي تفتقر للنهضة الأخلاقية يتحول كل فرد فيها إلى الانتهازية التي تسمح له بأن يفعل أي شيء وكل شيء في سبيل مصلحة عابرة أو مكسب ضئيل, فيمكنه أن يكذب, أو يسرق, أو يغش, أو يخون مقابل أشياء تافهة, أو حتى بدون مقابل فيتحول الغش والكذب والخداع إلى عادة ومرض لا يستطيع الشفاء منه ويصبح خيانة الوطن ضرورة للبقاء والحصول على الرزق..
إن النهضة لمجالات الحياة المختلفة سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو غيرها.. تكمن في النهضة الأخلاقية والوعي الجمعي, وإذا أردنا ذلك فيجب علينا إعادة بناء مؤسسات التعليم والإعلام والمؤسسات الأهلية والحكومة الرشيدة ويكون المنبع الهوية الوطنية والأخلاقية وتكون الأخلاق هي التطبيق العملي والواقعي في الحياة اليومية.
هشام عميران
الوعي الجمعي والنهضة الأخلاقية 1396