يبدو أن هناك رغبة جامحة للتخلص من كل ما أهدته لنا ثورة فبراير ابتداءً من حرية التعبير إلى تحرير وسائل الإعلام الرسمية التي أصبحت تعبر باسم الشعب ويراد أن تعود لما قبل فبراير وتتحول إلى وسيلة لمغالطة الشعب لصالح الزمرة، في حروب الجيش مع مليشيات الحوثي كان الإعلام الرسمي يصور الأمر على أنه بطولات، حتى مضت الأيام وقبل أشهر يعترف البخيتي أثناء حلقه نقاشية مع الصحفي محمود ياسين أنهم قتلوا 60 الف جندي!
الرغبة واضحة في جعل تناول أي قضية حساسة, محدداً فقط على الوسائل الرسمية، ومن خالف ذلك سرعان ما يتم اتهامه بمعاداة الوطن!
الإعلام- الذي كان حجر الزاوية وعبره اسقط حكم الدكتاتوريات- يريدون تدجينه من جديد، ليصبح إعلاماً بمذاق عصبة الحكم.
تناول مراسل الجزيرة في تقريره ما يدور في شبوة بمهنية لا شك فيها، لكن الدفاع والحكومة لم يروق لهما ذلك، معتبرين ذلك تجاوزاً عن الحدود فتم مصادرة ومنع المراسل من أداء مهمته الإعلامية ونقلها كما هي على أرض الواقع لا كما يريدها تجار الحروب!
بات الإعلام هو الأداة اكثر فاعلية إما لتثبت الأنظمة أو اجتثاثها، قبل أيام تم ترحيل الصحفي الأمريكي آدم براون، ليس لأنه يهدد الأمن القومي! ولكن لأنه يشكل خطراً بتقاريره التي ينشرها في الواشنطن بوست وجورنال ستريت وغيرها من الصحف الأمريكية.
كتب الصحفي آدم براون على حسابه الشخصي "إلى الأصدقاء في اليمن.. نعم للأسف أنا خارج اليمن وكل ذلك خارج عن إرادتي، افتقدكم كثيرا، حزنت كثيرا حينما أجبرت على مغادرتكم فجأة، ولا زلت أجهل السبب الحقيقي لترحيلي وكل ما قيل لي أنني شخص غير مرحب به في اليمن"
أعتقد أن جميع شباب الثورة يعرفون ذلك الشاب الأشقر الممتلئ بالحماس أيام ساحة التغيير، عندما اقبل الصحفي الأمريكي آدم براون إلى اليمن أبان ثورة الشباب المنهكة، امتزج في المجتمع اليمني حتى لا يكاد المرء أن يفرق بينه وبين المواطن اليمني، إلى درجة أن براون أصبح يمني وأصبح يلبس الفوطة "المعوز" و"الجنبية" ولم ينس وجبة اليمنيين الرسمية فأصبح ممن يرتادون أسواق القات!
براون يعمل صحفياً ويرفع تقارير إلى صحف تنطق باللغة الإنجليزية، ويبدو أن قرب براون من المجتمع والمواطن اليمني وتقاريره الصحفية التي نسفت تلميع المسئولين في الغرب هي السبب الرئيسي وراء جملة "أنت غير مرحب بك في اليمن".
الحكومات تخشى الغرب والمجتمع الغربي اشد مما تخشى المواطن العربي التي تحكمه!
ولذلك لن تسمح لأي صحفي أن يظهر حقيقتها للعالم ومدى الفشل التي تعاني منه خشية غضب الدول المانحة!
الدكتاتورية بدأت تتشكل ملامحها في دول الربيع العربي، ومحاربة الصحافة التي كانت أهم مرتكز ساعد على سقوط الدكتاتوريات السابقة.
مصطفى حسان
محاربة الإعلام وعودة بناء الدكتاتورية 1379