مثلما كان متوقعاً، انتهت انتخابات بشار الأسد الرئاسية بفوزه، بعد أن أعدها وأنتجها وأخرجها بنفسه، بشكل هزيل وهزلي، وبرعاية وإسناد كاملين من طرف حلفائه الإيرايين والروس، لكنه لم ولن ينال الشرعية التي افتقدها، منذ أن بدأ بشن الحرب الشاملة والمدمرة على نشطاء الثورة السورية، وحاضنتهم الاجتماعية.
مهزلة الانتخابات المفبركة
أقل ما يمكن القول عن هذه الانتخابات إنها كانت مفبركة، وشكلت مهزلة بكامل فصولها، ومن أولها إلى آخرها، ويشهد على ذلك، ليس فقط أنها كانت معروفة النتائج قبل أن تجرى، بل نتائجها الرقمية المعلنة بشكل رسمي.
فإذا ألقينا نظرة بسيطة على الأرقام التي أعلنها رئيس "مجلس الشعب"، فؤاد اللحام، نجد أن الفبركة طالت الأرقام ذاتها، التي جرى إعلانها بشكل فاضح، فوقع أصحابها في خلل كبير، لم يدركوه قبل إعلانها.
فقد ذكر اللحام أن الأسد فاز بنسبة 88.7% من إجمالي الأصوات الصحيحة، وشارك 11 مليونا و634 ألفا و412 ناخباً، في داخل سوريا وخارجها، من بين 15 مليونا و845 ألفا و575 ناخباً يحق لهم التصويت. وبلغت نسبة المشاركة 73.42%.
وبموجب هذه الأرقام حصل الأسد على عشرة ملايين و319 ألفا و723 صوتا بنسبة 88.7% من إجمالي الأصوات "الصحيحة"، لكن بحسب أرقام اللحام، يتضح أن الأسد حصل على نسبة تتجاوز 92% من "الأصوات الصحيحة"، و88.7% من إجمالي عدد الأصوات الصحيحة والباطلة، الأمر الذي يدل على أن من فبرك النتائج فضحته لغة الأرقام.
كما أن فبركة كبرى طالت الأرقام التي أعلنت عنها وزارة داخلية النظام، ونشرتها وكالة أنبائه الرسمية (سانا)، وتفيد بأنَّ "عدد المواطنين السوريين الذين يحق لهم الانتخاب، وفقاً للدستور وقانون الانتخابات العامة، ممن أتم الثامنة عشرة من عمره في يوم الانتخابات والمسجلين في السجل الانتخابي، بلغ 15 مليونا و845 ألفا و575 ناخبا داخل أراضي الجمهورية العربية السورية وخارجها".
وبالتالي فعدد الناخبين السوريين الذين يحق لهم التصويت في سوريا اقترب من 16 مليون ناخب، أي ما يقارب 70% من عدد سكان سوريا، البالغ عددهم 22 مليون ونصف المليون نسمة، بحسب تقديرات إحصائية لعام 2012.
وهنا تبدو الفبركة واضحة في الأرقام، التي طرحتها وزارة داخلية النظام السوري، حيث أنَّ 70% من السوريين يحق لهم التصويت، وهذا ينافي الأرقام الصادرة عن المكتب المركزي للإحصاء، لعام 2011 فيما يخص التركيب العمري للسكان، التي تؤكد أنَّ نسبة السكان ممن هم دون سن الخامسة عشرة من العمر، هي 37.1%.
ولو أضفنا إلى هذه النسبة عدد السوريين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و18 لزادت النسبة حتماً عن 40%، أي حوالي تسعة ملايين، وبالتالي سيصبح عدد سكان سوريا أكبر بكثير من 22 مليوناً ونصف المليون، حسبما هو معروف رسمياً.
وتفضح لغة الأرقام وحساباتها جوانب أخرى من فبركة القائمين على انتخابات الأسد الرئاسية، حيث لا يعقل أن يدلي أكثر من 11 مليون سوري بأصواتهم، داخل المناطق التي تسيطر عليها قوات النظام، في ظل الحرب الشاملة، التي يقودها النظام ضد غالبية السوريين منذ أكثر من ثلاث سنوات، وبعد أن أصبح أكثر من نصف سكان سوريا، خارج أماكن سكناهم وعيشهم وأرزاقهم، ما بين نازح ولاجئ.
وتوثق منظمات حقوقية عديدة نزوح أكثر من 6.5 ملايين سوري من مناطقهم، بينما يقدر عدد اللاجئين بـ3.5 ملايين سوري، وهناك ما نسبته 40% على الأقل من مجموع السوريين، داخل سوريا، يعيشون خارج مناطق سيطرة النظام، ولم يدلوا بأصواتهم في الانتخابات الرئاسية، وهؤلاء الذين يقدر عددهم بحوالي ثمانية ملايين أو أكثر بقليل، لم يشاركوا نهائياً في انتخابات الأسد، التي أطلق عليها الناشطون في هذه المناطق اسم "انتخابات الدم".
وكان الإكراه سيداً في سير هذه "الانتخابات"، حيث أبلغت سلطات النظام، جميع الموظفين والعاملين في دوائر الدولة وطلبة الجامعات بضرورة تواجدهم يوم الانتخاب من أجل التصويت.
ولم يكتف النظام الأسدي بأخذ هويات المعتقلين والتصويت عنهم، دون علمهم، بل قام بإجبار المواطنين "الأسرى" في المناطق التي تسيطر عليها قواته على التصويت.
وسبق لها أن أغلقت المنافذ الحدودية السورية اللبنانية، لمدّة ثلاثة أيام، ثم أخبرت شركات النقل والسائقين، بأنها ستفتح المنافذ يوم الانتخابات، حيث وضعت صناديق انتخابية على المنافذ الحدودية في ظل تعزيزات أمنية مشددة، وكل مسافر عليه أن يدلي بصوته قبل السفر.
ومن الأمثلة على مهازل الانتخابات وسخريتها، أن اللجنة العليا للانتخابات خصصت 64 مركزا انتخابياً في حي "المزة 86"، الذي لا يتعدى تعداد سكانه خمسة آلاف شخص على أبعد تقدير، حيث استغرب سكان الحي، بالرغم من تأييدهم المطلق لرئيس النظام، من هذا العدد الهائل من المراكز المخصصة للحي.
ومن المهازل أيضاً أن انتخابات الأسد راقب سيرها ممثلون من النظامين الإيراني والروسي إضافة إلى ممثلين من أوغندا وزيمبابوي وبوليفيا والفلبين وفنزويلا وطاجيكستان، وهي في معظمها محكومة من طرف أضراب النظام الأسدي، وغير مشهود لها بتجارب ديمقراطية.
وليس مصادفة أن يترأس الوفد الإيراني مساعد وزير خارجية إيران لشؤون العالم العربي وأفريقيا، حسين أمير عبد اللهيان، المعروف بعدائه الشديد للثورة الإيرانية الخضراء، التي قمعها النظام الإيراني، فيما ترأس الوفد الروسي، سيرغي غافريلوف، هو رئيس لجنة شؤون الأمن في مجلس "الدوما" الروسي. وقد استقبل، رجل الأمن هذا، بالهتافات في المراكز الانتخابية، وحمله ناخبو الأسد هو ورفاقه على الأكتاف. بالتأكيد ليس لنزاهته أو حياديته.
الشرعية المفقودة
إذا كان هدف النظام من تنظيم "الانتخابات الرئاسية" هو إعادة إنتاج شرعيته المفقودة، فإنه لم ينجح في استعادتها، حيث أجمعت قوى المعارضة السورية بكل أطيافها، في الخارج، على رفض الانتخابات الرئاسية، ومقاطعتها ترشحاً وانتخاباً، ولا سيما أنها كانت تعي تماماً أن نتائجها محسومة سلفاً.
كما أن جميع الأحزاب السياسية، والقوى الممثلة للثورة، أجمعت على ذلك، حتى المتواجد منها في الداخل، بالرغم من اختلافها سياسياً وفكرياً على أسلوب إسقاط النظام.
ولعل الأسد بات مزهواً بفوزه بمهزلة انتخاباته الرئاسية، كي يستمر رئيساً على جماجم القتلى ودمار البيوت والممتلكات والأرزاق، مثلما كان والده، حافظ الأسد، مزهوا بانتصاراته، إبان فترة ثمانينيات القرن العشرين المنصرم، بعد أن دمّر مدينة حماة، وقمع مدينة حلب، ومختلف المناطق التي تمردت على حكمه، بعنف لا يوصف، وقاد أخيه رفعت الأسد مجازر متنقلة، وخاصة تلك التي نفذها ضد السجناء السياسيين في سجن تدمر وسواه.
وبعدها تحولت الانتخابات إلى مبايعة الأسد الأب بنسبة 99.9%، بل ونسبة 100%، وصارت علامة مميزة لنمط حكمه الدكتاتوري، ثم تحولت البيعة إلى أمر واقع، في جمهورية الخوف الأسدية، التي تحولت إلى جمهورية وراثية، مع توريث بشار الأسد الحكم، وتغيير الدستور السوري في أقل من خمس دقائق، في سابقة هي الأولى من نوعها في التاريخ السوري الحديث، وفي العالم.
وليس هناك من عاقل حصيف من لا يدين الصفاقة المنقطعة النظير، التي تريد تحويل انتخابات الدم، إلى "عرس وطني"، وتشمل الإدانة محاولات ساسة النظام وحلفائه، الإيرانيين والروس ومن يدور في فلكهما. إظهار انتخابات الرئاسة الأسدية بمثابة تجديد لشرعيته، بعد أن فقدها منذ اليوم الأول للثورة السورية على المستوى الداخلي، ثم فقدها على المستوى الدولي، مع إيغاله في ممارسات القتل والتدمير، وتحول إلى مجرد عصابة سلاحها القاتل الذي تحمله بيدها، هو المشرّع والمبرر الوحيد لوجودها.
وبفوزه بالانتخابات/المهزلة -التي أخرجها وأنتجها بنفسه- يعتقد الأسد أنه انتصر على غالبية الشعب السوري، وعلى سوريا، ولو إلى حين، بعد أن رفع شبيحته وأجهزة أمنه شعار "الأسد أو لا أحد"، ضد الثوار السوريين.
ومع التغوّل في ممارسات القتل والدمار الممنهج بات شعار "سندمر البلد.. كي تبقى سوريا الأسد"، يختصر معركة بقاء رأس النظام، الذي شرع بتطبيق وصية أبيه حافظ الأسد، التي تختصر سوريا وشعبها وتاريخها وحضارتها بأسرته، تحت شعار "سوريا الأسد"، وبالتالي ليس غريباً أن يكرر الابن ما فعله والده من قبل -الذي لم يتوان- من أجل أن يضمن استمراره في السلطة، من قتل وتصفيه جميع رفاقه وأصدقائه في اللجنة العسكرية وفي حزب البعث قبل وخلال وصوله إلى حكم سوريا في انقلاب 16 نوفمبر/تشرين الثاني من العام 1970.
غير أن الفائز بالانتخابات ليس الأسد الابن نفسه، بل القتل والدمار والخراب، كونها "انتخابات" لا تمت بصلة إلى "الشرعية" التي يطمح إليها الحاكم عادة، بل هي مجرد عملية إعادة إنتاج وتثبيت النظام، وإشباع نفسية الحاكم المريضة، حيث لم يتغير أي شيء من خلالها.
هي انتخابات هدفها إيصال رسالة استمرار الحاكم، بالرغم من كل ما فعله بسوريا، وبغالبية السوريين، من جرائم عرفت ووُثِّقَت، وتلك التي لم تُعرَف بعد، وبالتالي ستبقى شرعية الحاكم مفقودة، مثلما كانت قبل "الانتخابات"، بوصفها عقدة نقصه الكابوسية، التي ستظل شبحاً يحوم فوق رأسه إلى أن يسقط.
كاتب وباحث سوري
عمر كوش
مهزلة الانتخابات المفبركة 1163