عادة ما يواجه الإنسان السوري الراشد كدر الحياة ومنغصاتها بجلد وصبر وحكمة فلا يداخله ضعف من همومها ولا يصيبه نصب من غمومها، ويتأبى على الهزيمة أمام ابتلاءاتها ، أو أن يخور مقابل عنتها، فينحو منحى الترتيب والتنظيم لأبجديات الحياة السعيدة، فيجدد علاقاته بمحيطه المعاش ويستشف من خلال تجاربه وخبراته مقومات الحياة الأحلى التي يمكن أن يدلف من خلال بوابتها الواسعة إلى المعافاة والصحة النفسية الدائمة المجردة من الألآم والاضطرابات، والإرباك النفسي والعصبي.
فطوبى لمن يعيش الحياة الأحلى، "وطوبى لمن شغله عيبه عن عيوب الناس"، ولم يكترث أو يهتم بتتبع العورات، ولم يرق له الانزلاق في متاهات القيل والقال، مشمر ساعديه لبذل الجهد المضني وتبديد الأوقات الثمينة بما يصلح واقعه وينفع واقع الأمة، مسارع الخطى في ميادين البر والخير والتقوى غير آبه لإثارة" الحزازات" في الواقع اليومي المتسارع، مُغلِّباً مصلحة الوطن والدين على ما عداها من مصالح أنانية ضيقة شخصية أو حزبية أو مذهبية أو طائفية أو جهوية.
فالذي يعيش الحياة الأحلى نراه هادئ البال، منشرح الصدر، صافي الذهن والفكر، مُبرأ من الغموم والهموم وأكدار الحياة التعيسة ، فتراه صاحب سلوك حضاري يجعل من حفاظه على نظافة ظاهره وباطنه منطلقا للحفاظ على نظافة الوجود من حوله، فلا يدعو إلى عصبية مقيته، ولا يوسخ رصيده النضالي بإهدار ونهب المال العام، إضافة إلى أنه يبدي تعاونا مع توجهات الحفاظ على البيئة فيتجه إلى تعزيز المحافظة على نظافة المدن والأحياء السكنية، هذا فضلا عن تكريسه لثقافة حماية الآثار والمدن الأثرية، وجعل البلاد جاذبة للمد السياحي من خلال الإسهام في حماية السياح والعمل على احترامهم.
والذي يعيش الحياة الأحلى يبحر في بحر السكينة والوقار، فلا تعجب إن رأيته متزناً في القول والفعل ومجموعة الانفعالات في مختلف الظروف والأحوال، هذا فضلا عن أن الذي يعيش الحياة الأحلى لا يركض وراء كسب العداوات فإن أتينه راغمات أمتصهن وبدد سحابتهن ليكثر من محبيه وأصدقاءه، ويقلل من أعداءه ونابذيه؛ فالبدار البدار للعيش في كنف الحياة الأحلى، والبدار البدار لجلب السعادة والعافية والصحة النفسية وإشراقة وصفاء الذهن والفكر وصقل الخاطر، والتفرغ لرسم ملامح المستقبل المشرق الوضاء الواعد.
فثمة سبل للعيش في كنف الحياة الأحلى منها على سبيل المثال لا الحصر الانطلاق الهادف بحيث يبقي وراء كل حركة وسكنة هدفاً يبعث الحركة أو السكون؛ إذ لا يليق بإنسان يطلب الحياة السعيدة الحياة الأحلى وهو لا يهدف سكناته وحركاته علامة على أنه ينبغي على الإنسان الأديب العاقل أن يكون له خطة بممارسة حياته العامة والخاصة، والخطة تكون سنوية ونصف سنوية وشهرية وأسبوعية ويومية بحيث تصبح حياته أكثر تنظيماً بعيداً عن الارتجال والعشوائية، هذا فضلاً عن أن السبيل الثاني من سبل العيش في كنف الحياة الأحلى هو أخذ النفس وترويضها على الالتزام بحياة الخطط والبرامج وفيه عنت ومشقة على النفس إلا من المجاهدة للنفس والمصابرة، على أن السبيل الثالث يتمحور في مغالبة النفس واحتوائها واحتواء ذوات الآخرين وصولا إلى تمام القيادة من أجل أن تحصل السعادة بقيادة الذات وقيادة الآخرين إلى كل ما يرضي الله عز وجل عنا وإلى كل ما يحقق الرفاة والتقدم والازدهار على سماء الوطن الواحد الموحد درءاً للحياة العفوية وطلباً للحياة القائمة على التخطيط والترتيب.
نوافذ من كلان الشيخ عائض القرني:
ـ العاقل يكثِّر أصدقاءه ويقلِّل أعداءه فإن الصديق يحصل في سنة والعدو يحصل في يوم، فطوبى لمن حبّبه اللهُ في خلقه.
ـ عذاب الهمة عذب، وتعب الانجاز راحة، وعرق العمل مسك والثناء الحسن أحسن طيب.
ـ خبز جاف مع أمن, ألذ من العسل مع الخوف، وخيمة مع ستر أحب من قصر فيه فتنة.
عصام المطري
من أجل حياة أحلى! 1171