في أحد اللقاءات الحزبية – التي حضرتها كصحفي- اندهشت لما سمعت مما دار فيه!!
انتقد أحد الحاضرين أداء أحد وزراء ذلك الحزب في وزارته واعتبره وزيراً فاشلاً لا يصلح للوزارة.
وما أن نطق بتلك الكلمات حتى انطلقت الألسن من كل زاوية بالاستنكار لقوله، لكنه كان عنيدا, فهو يقول: الوزير فاشل وهم يرددون بأصوات جماعية متشنجة منفعلة قائلين: بل ناجح!!
ولم يكلف أحد منهم نفسه سؤال العضو عن أسباب فشل الوزير!!
هذا التعصب الأعمى لا يخدم نجاح ذلك الحزب في المواقع الإدارية طالما أن قياداته وأفراده لديهم هذه الثقافة الصماء.
لقد حجبوا – بتعصبهم ذاك- بقعة الضوء الديمقراطي في غياهب ظلام التعصب.. ربما لأنهم تربوا على المركزية الشديدة التي جعلتهم يقفون (صما وعميانا) في وجه أي نقد أو تصويب مهما كان بناء.. ظانين أن ذلك يهدم المعبد على رؤوسهم، وتلك فكرة خاطئة لاشك، فعمر التعبير عن الرأي ما كان معول هدم بل ظاهرة صحية مطلوبة، ونافذة على الغرف المغلقة ليدخل منها الهواء النقي.
إن تربية هذه مخرجاتها قطعا لا تصنع فكرا سليما ولا تساهم في بناء جيل فاعل ومؤثر وقادر على خدمة الوطن وأهله بل تصنع نسخا مكررة من القائد!!
إنها تشكل قيدا على حرية التعبير ولا تخلق بيئة قابلة للتطور الإبداع، وتجعل الأفراد - في تلك الأحزاب- يسيرون في فلك القائد الملهم الذي لا يخطئ.. وهنا تبدأ صناعة الرموز التي تتحول بدورها شيئا فشيئا إلى دكتاتوريات لفظتها ثورات الربيع العربي، ولكنها مازالت تقاوم عوامل التعرية مستعينة بمثل هذه التربية!!
إن العالم اليوم قد تجاوز مثل هذا التفكير العقيم وأصبح الإعلام الفضائي والفضاء الافتراضي يغزو كل بيت ولا يستطيع احد حجبه.
وان هذا التفكير غير المستجيب لمستجدات العصر وتطوراته المتسارعة لا يخدم أي جماعة أو حزب أو حتى دولة مازالت أسيرة لمثل هذا الفكر المنغلق .
إن الشباب الواعد الذي يرى ويسمع كل يوم جديدا في عالم المعرفة والثقافة والفكر المتجدد لن يستمر في السير وراء عقلية الكبير كبير والصغير صغير حتى في مجال الفكر والإبداع وصناعة الوعي المتحرر من قيود الماضي كي يجاري كل هذه المتغيرات.
مشكلتنا في هذا البلد الطيب ليست في الأحزاب الحاكمة فحسب، ولكن حتى في القواعد الحزبية التي ترفض مجرد مناقشة أخطاء قياداتها وتصويب نشاطاتهم، وكأننا حولنا قياداتنا الحزبية إلى (ملائكة) والويل لمن ينتقد أخطائهم فسيوصم بأنه مجرد باحث عن مصلحة وليس عن تسديد ومقاربة في ابسط الأحوال.. وهذا فكر عدمي لا يخدم الأحزاب ولا يعطي للأفراد مساحة من الحرية في التعبير عن آرائهم بلا مواربة ، وان فعل احدهم.. مورس ضده ما يشبه الإرهاب الفكري.
يا قوم: خذوا العبرة مما حصل في بعض دول الربيع العربي حين سار الثائرون فيها على نفس النمط .. قبل أن يعتبر بكم الآخرون.
منصور بلعيدي
النقد ظاهرة صحية يا هؤلاء!! 1368