يصب جيش الاحتلال الإسرائيلي ناره على غزة.. يعاقب البشر والحجر .. يطلق سهامه الغادرة على عربة الجهاد والمقاومة. ويشعل نيرانه الظلامية على الأراضي المحتلة, ليخلف بذلك قتلاً ودماراً ونزوحاً واعتقالاً .
يرتكب كالعادة حماقته الهمجية . وأعماله الإجرامية بحق أهالي غزة . يمطر عليهم رصاصاً باردة ، ويصب على أجسادهم ناراً مشتعلة .
حماس والجهاد تضربان صواريخهما على تل أبيب. تصمدان في وجه العدو. وتلقنانه درساً قاسياً في المقاومة والصمود وعدم التراجع والخضوع.
تخترق الحدود الإسرائيلية, وتهاجم بمختلف الوسائل والإمكانات دون خوف أو تردد .
الجيش الإسرائيلي وكذلك المواطن يشعر بالرعب والقلق لتعرضهم للهجوم الصاروخي والضربات المتواصلة القادمة من القطاع. وفر الآلاف هاربين ، مرعوبين ، نازحين إلى أزقة الملاجئ .. وليس هذا فقط بل إنه من المفاجئ أن تطلق كتائب القسام ثلاث طائرات من دون طيار صُنع محلي على إسرائيل .. وتدهش العالم بتلك الخطوة العظيمة، والعمل الجبار الذي لم يكن لأي دولة عربية الفخر والاعتزاز بمثل تلك الأعمال الكبيرة والانتقال إلى عالم التطوير والتنوير في أموالهم الباهظة الذين يدفعونها لإحداث اضطرابات وصراعات مختلفة تفتت النسيج العربي.
العديد من الغارات والضربات التي يطلقها الجيش الإسرائيلي على القطاع بشكل عشوائي دون تحديد هدف معين لعناصر المقاومة والجهاديين ينتج عنه سقوط لمئات الفلسطينيين ما بين شهيد وجريح وجميعهم مدنيون معظمهم أطفالاً ونساءً.
صحيح أن الضربات المتواصلة التي تطلقها كتائب المقاومة والجهاديين في غزة على الأراضي الإسرائيلية ليست إلا عود ثقاب. ومعظمها تعترض لها القبة الحديدة, لكنه بذلك يعزم على نهض المقاومة ، وثبات الصمود كثبات الجبال ، والتوحد والتكاتف أمام ضربات العدو وإفشال خططه وعملياته المتغطرسة.
العروبة في فلسطين تتصاعد براكينها بنكهة دموية ومأساوية ، والنخوة العربية تولد في الأراضي المحتلة ، والشرف القومي العربي يثأر له أهل غزة وحركة حماس والجهاديين بلا استثناء بنزيف دماء أبنائها ، وتصلب ثباتهما في وجه العدو.
الحكومات العربية كعادتها تقوم بإدانة واستنكار وتدعوا إلى وقف اطلاق النار عوضاً عن الوقوف في وجه العدو , والدعم الكامل بمختلف المجالات لأهل قطاع غزة الذي نال شرف ذلك بعض من الدول الغربية وتركيا وقطر على وجه الخصوص.
لغة الذل والإهانة تنطلق من أفواه القادة العرب والصمت والخذلان أصبح الحاكم الفعلي في حملة "الجرف الصامد" على غزة والتستر على الجرائم البشعة التي يقودها الجيش الإسرائيلي بحق الأهالي هناك طيلة عقود.
ومن الغريب مع انه لم يعد غريباً أن تنشر صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية قبل أيام خبراً عن وجود مكالمة هاتفية بين الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والذي رتب لها وطبخ حبكتها رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير.. ودون ادنى شك في الموضوع فإن تحليل ذلك ينحصر حول دور مصر والقيادة العربية في الصمت المخزي الفظيع الذي الناتج عن انتهاك العرض العربي والدعس على كرامته بمجرد خلاف سياسي مع بعض الحركات الجهادية .
وأيضا الدافع لحدوث تلك المكالمة هي المبادرة المصرية التي وبلا شك دعا إليها نتنياهو وقام بصياغتها. بعد أن ولدتَّ صواريخ القسام وصمود المقاومة الرعب والخوف في قلوب الإسرائيليين ولكنها والت بالفشل الذريع برفضها من الجانب الفلسطيني في قطاع غزة كون الوضع لا يتطلب طرح الشروط وتبني زمامها مصر التي أغلقت معبر رفح وحاصرت المدنيين اللاجئين هناك ولم تكتفِ بهذا بل قامت بالتوحد مع العدو لكسب بعض الوقت لكسر صمود المقاومة لأسباب سياسية هشة لا شأن لها بقضية عربية تغتصب، وتنتهك أمام الجميع.
أصبحنا بفضل القادة العرب لا نساوي شيئاً. لقد أقدموا على ارتكاب الحماقة المخزية مما جعلهم يتحولون إلى أعداء حقيقيين للقضية الفلسطينية.
بل والعجيب أن الصحف الإسرائيلية تتحدث عن ذلك وتجازف بالقول عن تحالفات واتفاقات عربية- إسرائيلية فقد نشرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية قبل أيام قليلة. أنه كان هناك اجتماع ساخن قبيل الهجوم البري على قطاع غزة بين وزير الخارجية الإماراتي ونظيره الإسرائيلي في باريس وخرجا بقرار الهجوم البري وتوسيع نطاق العملية بتمويل إماراتي لتأديب حركة حماس .
ليس هذا فحسب بل ومن المُلفت مع ان الوضع اصبح أشبه بتفتيت وإحراق شيء اسمه المفاجآت والأخبار الغير متوقعة أن تنشر أيضا الصحيفة ذاتها في نفس اليوم خبراً عن وجود تحالف شجاع نشأ بين السيسي ونتنياهو, بغض النظر عن الخلافات الحادة والمتفاقمة بين مختلف القادة العرب وحركة حماس تحت مسمى جماعة الإخوان المسلمين.. مع العلم ان الوضع المأساوي في غزة لا يتطلب أخذ موقف سياسي في ظل ما يجري من نزيف لجروح أهل القطاع والسكوت عن ذلك لأسباب لا تبرر الخذلان والتغاضي عن التحالف مع الخصم لتسهيل مهمته عبر مختلف الوسائل.
نزيف الدم في غزة لا يتوقف ضخه ، وأنين الجرحى تتصاعد نبراته ، ودموع الأهالي تتساقط ألماً على تراب غزة والأرواح تتساقط على حديقة المجد والكفاح والصمود والعمليات المتغطرسة الإسرائيلية توسّع من حملاتها وبشاعة إجرامها المرعبة , والمواطن العربي الخانق في ظروفه المستعصية لا يملك سوى التضرع إلى الله بالدعاء والدعم بمختلف المجالات متى صح العزم القومي العربي .
عذراً غزة ...
عذراً غزة لم يعد لنا طاقة للهتاف والصراخ لإيقاظ الضمير العربي من غفلة النسيان .
عذراً غزة.. لم يعد لنا أيضاً لسان لنتحدث عن ما يحدث ويجري لعروق روحك التي نزف ألماً وتتقطراً دماً ومعاناة لا تنتهي.
عذراً غزة .. لم نستطع أن نمسح دموعك التي تتساقط بين أجفانك ألماً .
عذراً غزة.. لم نستطع أن نقطع أيادي الأعداء الحقيقيين الذين يتربعون على حكم العروبة وينخرون على جسد الأوطان ويلهثون نحو البطش والتخريب.
عذراً غزة.. ليس لدينا ما نملكه لكي نُعيد إليك مجدك الذي أشرق في شمس الربيع القادم .
عذراً غزة.. فتضحياتك هي إعادة لحضارة الأمة ، وصمودك هو وفاء لقضية بلدك ودماء أبنائك هي ثمن عزيمتك وإصرار وصمودك.
عذراً غزة.. فلقد انتهى الدرس العربي في الكفاح والصمود والمواقف البطولية في القضايا الإنسانية ، وها أنت تخطِّي ملحمة تاريخية في إعادة كتابة سطور المجد على عتبة الجهاد والمقاومة بحبر من دماء أبنائك الأحرار لتضعِ نتيجة ذلك توقيع على تاريخ الزمن حكاية صمود وتحدي وثبات رغم هجوم العدو وتلقّي الضربات !
راكان عبدالباسط الجبيحي
غزة والموقف العربي 1254