عزيزي القارئ: إن للإسلام قواعد تربوية فاضلة أقامها في نفوس أبنائه صغاراً وكباراً رجالاً ونساءً, على أصول نفسية ثابتة ، وقواعد تربوية باقية ورسّخ قيم حسنة وسلوكيات حميدة لا يتم تكوين الشخصية الإسلامية إلا بها ، ولا تتكامل إلا بتحقيقها. وقام بغرس هذه الأصول في نفوس الأفراد والجماعات, وبُني المجتمع الإسلامي على التعاون المثمر والترابط الوثيق والأدب الرفيع والمحبة المتبادلة. ولكي نقيم مجتمعاً إسلامياً نظيفاً لابد من رابطة الأخوة في الله ولا غنى عنها.

   ومن أهم الأصول التي أقامها الإسلام، وشيّد عليها بناءه الاجتماعي: الأخوة والحب في الله وجعل هذه الأخوة علاقة حقيقية تزيد عن علاقة الدّم والنسب وتفضلها، وتوجد بين المؤمنين رباطاً روحياً يتمثل في إيمانهم بإله واحد واعتقادهم بمصير واحد وسيرهم على منهج واحد. واعتمد الإسلام في بناء مجتمعه علي قوة الرابطة التي وضعها بين المسلمين وجعل منهم جسداً واحداً يتجه إلي غاية واحدة. وفي سبيل بلوغ هذا الحد من الترابط وضع أمام أبنائه غايات اجتماعية أغراهم ببلوغها وحفزهم إلى الارتقاء إليها.. فقال صلى الله عليه وسلم : " والذي نفسي بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا ، ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم ؟ أفشوا السلام بينكم " .

  والحق أن أي مجتمع لا يملك تشريعاً أو قانوناً يربط بين قلوب أفراده ، أو يغري بعضهم بحب بعض ، ولا يملك أكثر من محاولة التوفيق بين الرغائب والملاءمة بين المصالح حتى لا تتصارع ولا تختلف؛ إما أن يصل في بنائه إلى مرتبة تأليف وبث المحبة فهذا ما لا يستطيعه إلا الإسلام ، ولا يصنعه إلا الإيمان . ولهذا نرى الإسلام يعلنها واضحة في مجتمعه على لسان رسوله : " لا تؤمنوا حتى تحابوا " ، والقرآن يعلن تلك الحقيقة حين يبين أن الرابطة التي جمعت بين أبنائه لم تكن من صنع قانون يفرض ، ولم تجتلب بغايات مادية ولم تدخل في نطاق المنفعة ، بل صدرت عن العقيدة ونبعت من الأخوّة!.

وقد قدس الإسلام هذه العلاقة ورفعها إلى درجة روحية عالية وأحاطها بقدسية العقيدة ليضمن لها الدوام والبقاء.. إذ أن هذه الرابطة التي قامت على أواصر الأخوة في الله ، وهي التي جمعت أبناء الإسلام أول مرة وأقامت دولته ورفعت رايته ، وعليها اعتمد رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد تأسيس العقيدة والعاملون للإسلام اليوم وهم يسيرون على خّطى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ويسعون لإقامة مجتمع إسلامي نظيف.. لابد لهم من هذه الرابطة؛ يلتقون عليها ويستلهمون معانيها ويعملون في ظلالها ويدعون الله دائماً أن يبارك لهم أُخْوّتهم و يوثق لهم رابطهم ويثّبتهم على الحق.. إنه سميع مجيب..