إن الأخوة الإسلامية ترتفع على نطاق المصلحة وتسمو فوق حدود المادة ، وهذا ما حدث في المدينة حين قام أول مجتمع إسلامي بعد هجرة المسلمين إليها ، فكانت الأخوة بين المؤمنين الدعامة الأولى التي قام عليها ذلك المجتمع ، والتي شدّتهم برباط متين من المحبة والإيثار ، فقد فتح الأنصار قلوبهم وبيوتهم لإخوانهم الذين هاجروا إليهم من مكة على غير أرحام بينهم ، وقاسموا ديارهم وأموالهم .. لقد حرصوا على الحفاوة بهم ، فما نزل مهاجر على أنصاري إلا بقرعة . وكان من نتيجة هذه الأخوة في الله أن تعامل أفراد المجتمع الإسلامي عبر التاريخ ، وخلال العصور على أحسن ما تعامل الناس مواساة وإيثارا وتعاونا وتكافلاً. وللأخوة في الله معانٍ جليلة يتميز بها الإخاء الإسلامي .. ومن أهم هذه المعاني : المساواة .. والتعاون .. والحب في الله .
1 – المساواة: ففي رحاب الإخاء تزول عصبيات الجاهلية ، وتذوب نهائياً فوارق الحسب والنسب والغني والجاه ، وتتحطم فوارق الجنس واللون ، وكلها فوارق صنعها الانحراف البشري ، والظلام الإنساني ، والهوى المتسلط ، والتمييز المصطنع..
ويقول صلى الله عليه وسلم : " أيها الناس إن ربكم واحد ، وإن أباكم واحد ، لا فضل لعربي على عجمي ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى ، كلكم لأدم ، وآدم من تراب إن أكرمكم عند الله أتقاكم " . وأكد الإسلام المساواة بين جميع المسلمين ، ونظر إليهم نظرة واحدة ، فهم متساوون أمام الشريعة ، في المسؤولية والتكاليف والجزاء . ويبرز هذا المعني جليا في الشعائر الإسلامية " كالصلاة والحج .. فلا تفرقة بين غني وفقير ، ولا بين حاكم ومحكوم ، ولا بين أبيض وأسود ، كما يبرز ذلك في الحقوق والعقوبات .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وأَيْمَ والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها " .
ومن الأمثلة العملية على هذه المساواة التي قررها الإسلام ما كان من أمر أبي ذر وهو يناقش بلالاً في حضرة الرسول عليه الصلاة والسلام ، ويحتد النقاش فيغضب أبو ذر ويقول لبلال: يا ابن السوداء، فإذا بالنبي يقول : " طفّ الصاع ، طف الصاع ، وليس لابن البيضاء على ابن السوداء فضل إلا بعمل صالح " وما إن انتهى الرسول صلى الله عليه وسلم من قولته حتى كان أبو ذر قد هوى من استعلائه إلى عالم المساواة ، بل وليردع نفسه ، وضع خده على التراب وقال لبلال : قم فطأ على خدّي . ووقف بباب عمر ، سهيل بن عمرو والحارث بن هشام وأبو سفيان بن حرب وجماعة من كبراء قريش ، ولكن عمر يأذن قبلهم لصهيب الرومي وبلال الحبشي وهما موليان فقيران .
2 – التعاون: التعاون مظهر كريم من مظاهر الإخاء الإسلامي، أمر به الله.. وصوّره الرسول عليه الصلاة وأزكى التسليم بأروع معني عرفه بني الإنسان فقال : " المؤمن للمؤمن كالبنيان يشدَّ بعضه بعضاً " .. ولم يعرف تاريخ البشرية كله حادثاً جماعياً قام على التعاون والإيثار كحادث استقبال الأنصار للمهاجرين بهذا الحب الكريم ، والبذل السّخي ، والتسابق إلى الإيواء ، حتى إنه لم ينزل مهاجر في دار أنصاري إلا بقرعة ، لأن عدد الراغبين في الإيواء أكثر من عدد المهاجرين .. ولم تكتحل عين الزمان بأروع من أمثلة الإخاء والإيثار والتعاون التي وقعت هذه المرة في المدينة
3 – الحب في الله : وللحب في الله مراتب أدناها سلامة الصدر تجاه الإخوة ، فلا يليق بمسلم أن يربط بين حظه في الحياة ومشاعره مع الناس ، ذلك أنه ربما أخفق حيث نجح غيره ، وربما تخلف حيث سبق آخرون . قال صلى الله عليه وسلم : " إياكم والحسد فإن الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النارُ الحطب " . ودرجة أخرى من درجات الإخاء تتمثل في أن يتمني الإنسان الخير لإخوانه ، ويعمل على تأمينه لهم مثلما يرجو ذلك لنفسه .. قال صلى الله عليه وسلم: " لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه " . وقد بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم المتآخين في الله "بالرحمة والخير العميم".
إن الأخوة الإسلامية تمتاز على كل أساس يهتدي إليه البشر لأنها عقيدة تحوي ركائز روحية وإنسانية لا افتعال فيها ولا تزوير..
إنها أخوة تعني أن كل فرد يحتفظ لأخيه بمشاعر الحب والإيثار ، ويؤدي حقوقه وإن كان لا ينتفع منه بشيء، لأنه يعمل في ذلك لربّه، ويرجع في ذلك إلى إيمانه بالثواب والجزاء الحسن..
هشام عميران
الأخوة الإسلامية تمتاز على كل أساس يهتدي إليه البشر 1158