اعتدتُ أن أتأمل تفاصيل الحياة من حولي حتى أصبحت لي روح مجهرية أرى الأشياء عبرها مكبرة آلاف المرات على عكس ما يراها سواي آخرون.
لست عميقة بما يؤهلني لأقرأ قيعان الحاضر والماضي من حولي, لكنني لست سطحية لدرجة أن لا أرى إلا أرنبة أنفي!
أشعر بالانقطاع عن ذاتي وأنا أتأمل أكوام البشر على الأرصفة وفوق عربات النقل.. واسأل نفسي عن الأسباب التي جعلت وطناً كهذا ينتج بشراً كهؤلاء تمنيت مراراً لو أن لي أجنحة فأطير إلى حيث لا أرى من يقرع أجراس الموت على مسامع الناس كما تقرع طبول الأعراس, وتمنيت لو أن لي تلك القوة التي تمنع هؤلاء من فعل ذلك.. لكنني أبقى كما أنا صاحبة القلم الذي مزق نياط قلوب الحائرين وأسال الدمع من عيون الظامئين, لكنه لم يستطع أن يحرك صخرة الدهشة عن صدور الصامتين. لعلي أحمل على رأسي هماً لا يعنيني, أو لعلي أقصد بعباراتي شعباً لست منه وليس مني.. لكنني اعتدت أن لا أسير خاوية الوفاض من بعض ما يثبت إنسانيتي.
ورغماً عني أثقل جيوبي بنفايات الفضوليين والمتقولين ومن جعل الله قلوبهم أوعية ضيقة.. رغماً عني أجر خلفي محراث أمنياتي وكأن الأرض ستنبت بعد رفاتي سنابلاً وياسميناً وبناً وزنجبيل.. وحدي ومثلي آخرون وحدهم يسرون خلف فنار الوطن بعد إن اختفى البحر وضل الساحل وأصبحت حيتان البحر نموراً على اليابسة, وقناديل البحر تبحث عن كوى تخاطب عبرها ظلام الليل لتنفق زيتها في بهو العطاء ثم تهديه رفاتها.. أسماك البحر تتشبث بالحياة لتصبح شعباً بلا وطن, والبحر لا زال غائباً, غاضباً يستمطر السماء لشعبه وتأبى السماء أن تمطر كدمقراطيات الأرض.. كم كان البحر وطناً جميلاً, وكم كان هذا الشعب ذو الزعانف الملونة شعباً كريماً يوم حاول أن يسكن الصحراء تاركاً البحر للحيتان ذات الأذيال السوداء!..
مثل هذه المشاهد والقصص والمواقف تسكن مخيلتي وروحي وأجدني بين لحظة و أخرى أعيش صورة من صور عالم لا أعرفه, لكنني أشعر أنه يشبه وطني ويشبهني ويشبه شعباً مثل شعبي.. هذه مشكلتي, فأنا أغوص إلى أعتى قيعان مفرداتي دون أن أترك لنفسي فرصة لتستنشق الحرية على سطح أوراقي التي ترتفع قضبانها من كل ناحية..
ألطاف الأهدل
هذه مشكلتي!! 1381