* "تسريبات مصدر مسؤول, موقع كذا, خبر عاجل, صحيفة كذا, وكالة كذا للأنباء.. إلخ".. هذه هي مرجعية كثير من الأخبار والأحداث في زمننا وهي في الغالب الأعم ينطبق عليها عبارات المحدثين في جرح الرواة مثل قولهم" غير ثقة أو كذاب أو دجال وأقلها مجهول أو ضعيف" وقليل منها ينطبق عليه عبارات المحدثين في تعديل الرواة" كثقة أو حجة وأقلها لا بأس به". وهذه الأوصاف التي يطلقها المحدثون على الرواة- جرحاً وتعديلاً- تقوم على منهج دقيق من العدل والإنصاف في مطلق هذه الأحكام والمعرفة والخبرة الواعية بحال المخبر عنه وبهذا المنهج حفظ المحدثون سنة النبي- صلى الله عليه وسلم- وبهذا المنهج سنحفظ- إنْ اتبعناه- سمعة بعضنا وسلامة ديننا وبلادنا من الإرجاف والافتراءات والشائعات المضرة باليمن وأهله.
فما أحوجنا إلى منهج المحدثين في تمحيص الأخبار ونحن نعيش في فشو الكذب كما عبر عنه رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بقوله "ثم يفشو الكذب" رواه البخاري, فلا نقبل خبراً إلا إن كان مصدره ثقة أو ثقة حجة كأعلى درجة توثيق ونطعن في كل خبر جهلنا مصدره أو حال مصدره من حيث الثقة والأمانة, لاسيما فيما يتعلق بالأعراض وقضايا الوطن الحساسة مما يمس أمنه واستقراره أو فيما يتعلق بالدين كالاحاديث المكذوبة على النبي- صلى الله عليه وسلم- و التي تملأ كثيراً من الكتب الدينية فضلاً عن" الفيس والوتس والنت عامة" ولا يعرف لها مصدر والأغبى ان ينشرها الوعاظ على المنابر والمجالس دون تأكد من حالتها- صحةً وضعفاً- فيدخلون ربما وهم لا يشعرون في قول رسول الله "من حدّث عني حديثاً وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين" رواه الترمذي وصححه ونقل في شرحه. معنى هذا الحديث: إذا روى الرجل حديثاً ولا يعرف لذلك الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أصل فحدث به فأخاف أن يكون قد دخل في هذا الحديث.
ومع أننا في زمن سهلت فيه العلوم والحمد لله ومنها علوم السنة, فقد خرج علماء السنة الأحاديث وتكلموا عنها قديماً وحديثاً بما يبين صحتها وضعفها ومع ذلك لا يهتم كثيرون بالرجوع إلى مصنفاتهم المبين لذلك أو سؤال علماء الحديث عنها.
إن نقل الأخبار على عواهنها وعللها ومخالفة أمر الله تعالى بالتثبت منها في قوله " يا أيها الذين آمنوا إنْ جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين", هو مسلك قلة من الخبثاء من المنافقين ومرضى القلوب يحمله عنهم كثرة غامرة من الأغبياء والغافلين عن دينهم وهو من الكبائر في الشريعة وكارثة وطنية تضر البلاد والعباد ولا يشفع للمغفلين؛ انهم لم يفتروا الإشاعات وإنما نقلوها كما سمعوها فهذا ذنب مستقل وهو مركب بئيس لنقل التهم والأراجيف قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "بئس مطية الرجل زعموا" رواه أبو داؤود بسند صحيح.
ولما صار الكذب عند كثير من المسلمين فناً يدرس تحت اسم فن الإشاعات والتسريبات لتحقيق مكاسب خبيثة أو حتى شريفة, هان المسلمون ولوثوا قضاياهم الشريفة وتناحرت أحزابهم وسلطتهم ومعارضتهم وفشلوا جميعاً بل وشاركهم الفشل والسقوط بعض العلماء والدعاة الذين لم يتحروا الصدق في نقد مخالفيهم.
إن الانتصار بالكذب والافتراء على الخصوم مسلك المهزومين أخلاقياً وواقعياً وإنْ انتصروا فنصرهم مشوه وغير شريف ولا مشرف وسيرتد عليهم يوماً ما هزيمة ولو طال الزمن. إن فارق الصدق شيئاً فقد فارقه حب الناس واحترامهم وثقتهم وفارقه بركة أعماله وسمو أهدافه ونبل رسالته وقبل كل هذا رضى ربه تعالى, فهل يعي ذلك الإعلاميون ووكالات الأنباء ومصادرها المختلفة بل هل يعتبرون من إعراض الناس عن أغلبهم وإقبالهم على قلة قليلة جداً منهم لذات السبب؛ الصدق واحترام عقول الناس.
لنلتزم بالصدق الصارم وبأوسع معانيه ومجالاته؛ صدق اللسان والنية وتحمل المسؤولية وصدق النصيحة وإنصاف المنصوح وصدق المعلومة وستختفي أغلب علل أُمتنا وتجتمع كلمتنا على الخير والثقة ببعضنا مهما اختلفنا.. اللهم إنّا نعوذ بك من أن نقترف إثماً أو نجره إلى مسلم ونعوذ بك من البهت والكذب..
الشيخ / علي القاضي
حاجتنا لمنهج المُحدثين 1380