الدولة التي وصفها أديب اليمن الكبير الأستاذ/ خالد الرويشان بالرّخوة، وقامت- حينها- عليه الدنيا ولم تقعد، حيث تم إيقاف عموده الأسبوعي في صحيفة الثورة بتوجيهات عليا كمحاولة من الساسة المنتهية صلاحيتهم لإخراصه، وقد فشلوا في محاولاتهم، إذ بات يكتب سطراً على صفحته في موقع التواصل الاجتماعي "فيس بوك" فتتناقله أغلب المواقع الإخبارية المحلية والعربية وبسرعة الضوء..
في الحقيقة كان توصيف الأستاذ خالد الرويشان لهذه الدولة المتهالكة حد السقوط دقيقاً، وهي بالفعل رخوة، وقد أصبحت في الأيام الأخيرة أكثر رخاوتاً، إذ لم يكن فيها مشحوطاً سوى وزير الداخلية اللواء/ عبده حسين الترب، الذي أستطاع خلال فترة وجيزة أن يعيد لرجل الأمن هيبته، وأن يشحذ همته، ويرفع من معنوياته، كما أنه أشعر المواطن بالجدية في صناعة يمن جديد، هامته تناطح السماء في عليائها، غير أن قادة الدولة الرخوة وزبانيتها لم يعجبهم هذا الوزير المشحوط كون استمراره بهذا النشاط غير العادي سيسحب البساط من تحت أقدامهم المرتعشة، وسيعري حقيقتهم الملغومة بالفرز المناطقي والطائفي القذر، لذلك نصبوا له الفخاخ التي حاولت - يائسة - كبح جماح قدراته الهائلة، ودسوا له السم على صفحات الصحف على هيئة على البخيتي وبليغ الحطابي والخيواني.. وغيرهم، لكنه لم ييأس، ولم ينكسر، أبى إلا أن يستمر في نشاطه المتميز، وأن يحلق في الأفق عاليا، صانعاً النجاحات التي عجز سابقوه عن تحقيقها لهذا الوطن الموبوء بالمكايدات ومحاربة النجاح.
بالطبع لقد حقق الترب نجاحات مبهرة، إبهارها كان نتاجاً للمساحة الزمنية الضيقة وكونها جاءت في وقت عصيب، وفي وضع أمني مضطرب.
قد يتهمني البعض بالانحياز للترب، وفي الحقيقة أنا كذلك، غير أني لست منحازاً لشخصه ولكنني منحاز لمساعيه الحثيثة ولجهوده الجبارة التي يبذلها من أجل أن يظهر الأمن بصورة مغايرة عما تحيكه مطابخ الإفشال التي أفشلتها نزاهة الوزير وضميره الوطني الذي لا يختلف عليه اثنان إطلاقاً، يكفي أنك أينما وليت وجهك في وطننا الحبيب وجدت من يتحدث عن هذا الرجل وعن قدراته المهولة التي لا تعيقها سوى سياسات وممارسات الدولة الرخوة.
ترجلت ذات صباح، ذاهباً إلى أحد الأكشاك في أمانة العاصمة لشراء صحيفة يومية، أتعرف من خلالها على تفاصيل الأحداث اليومية التي جبلنا عليها، وبعد أن عدت بها، كانت صورة الترب في صفحتها الأولى، رأتها عجوز كانت تستظل بجدار مؤسسة حكومية فنادتني للذهاب إليها، وحين دنوت منها أحدثها، أشارت إلى الصحيفة قائلة:
"هذه صورة الوزير الترب فديت شواربه، شحط ولدي السرسري وقد كنت منه لــ النُخَر، ماكان يقوم من النوم إلا وقد هو شرق، ماذلحينه ماتفذ الشمس إلا وقد هو بالرصطه.."
ابتسمتُ وأنا أتأمل تجاعيد وجهها الذي شكلته الفاقة، وبقيت أسألني: أهناك وزيرا آخر بإمكانه أن يحظى بهذا الحب العفوي الذي جاء بكل تأكيد نتاجا لما لمسته تلك العجوز من انضباط غيّر سلوك ولدها؟".
ما أود قوله هو إن اللواء الترب منح الوسط الشعبي حافزا نفسياً مذ توليه الوزارة، لما يمتلكه من حسٍ عالي في متابعة الأداء الأمني والانقضاض على بؤر التسيب واللامبالاة إضافة إلى إيلاء قضايا منتسبي وزارة الداخلية أولوية بالغة الأهمية والعمل على حل مشاكلهم وتلمس همومهم ومعاناتهم وهذا بالتأكيد سيكون مردوده لصالح المواطن؛ إذ أن رجل الأمن حينما يتخلص من المشاكل والمعوقات التي تقف في طريق تأديته لمهامه، فإن جهوده ستكون مضاعفة وشخصيته ستكون انعكاساً حقيقياً لشخصية وزيره المضمخة بالثقة العالية والاعتزاز بالنفس.
لكن هذا الرجل الذي أتى بالأفكار الجديدة في الاختيار، والتعيين، وأساليب الثواب والعقاب، وتعميم الانضباط، وتفعيل دور الرقابة والتفتيش، وإقالة المقصرين والعاجزين عن القيام بالمهام المنوطة بهم، وبعث الحياة في رجال الأمن من جديد، بعد أن كانت شبه متوقفة.
هل دولتنا الرخوة راضية عن أداءه.. وقد حظي بقدر كبير من الجماهيرية في أوساط الشعب، حتى بات المواطنون يلقبونه " بالحمدي الجديد"، أم أن هذه الألقاب وتلك الشعبية غير المسبوقة، ستعري الإرث الإقصائي الذي يخفيه النظام الجديد، وسنجد الترب مغيباً في قادم الأيام، كما فعلت مع أمثاله أنظمتنا السابقة، خصوصاً وأن بؤر الفساد التي يقف على فوهتها هذه الأيام من كانوا يوصفون في عهد النظام السابق بالدواجن لا يرغبون في بقائه البتة؟..
هذا ما ستكشف عنه الأيام القليلة القادمة..
منيف الهلالي
الترب..والدولة الرخوة 1527