بعد مرور أكثر من خمسين عاماً على ثورة سبتمبر الخالدة التي نفض فيها اليمنيون حقبة سوداء من تاريخ اليمن الحديث حكم فيها الأئمة ما يربو عن أربعة عقود من الزمن أُرغِم فيها اليمنيون على حياة الذل والخنوع والفقر والاستعباد من قِبل أولئك الذين لا يؤمنون سوى بمبدأ الحق الإلهي في الحكم والاعتقاد بأنهم ما خُلقوا إلى ليكونوا أسياداً وحُكاما ودونهم العبيد وما تلك إلا أباطيل ما أنزل الله بها من سلطان, على مدى تلك العقود من الحكم "الكهنوتي" السُّلالي تجرَّع فيها الشعب المُر والألم والبؤس حتى ضاق ذرعاً من ذلك الوضع فلم يعد أمامه من خيار سوى أن يثور في وجه الإمامية الجائرة ويُصوّب من فوهة بندقيته رصاصة الموت لينهي بها حقبة من المعاناة والجوع والفساد والتخلف التي افتقد فيها أدنى درجات العيش الكريم ومعاني الإنسانية آملا أن يجد بعد الانجاز الكبير الذي حققه في ثورة سبتمبر الحياة الكريمة الآمنة التي حرم منها قبل الثورة, إلا أنه حين شعر الشعب اليمني بأن الأهداف التي خرج من أجلها في 26سبتمبر لم تجد طريقها للتنفيذ ولم يلمس التغيير الحقيقي وظل الفساد والحكم الأسري العائلي على حاله خرج الشعب في الحادي عشر من فبراير عام 2011م في ثورة لا تقل عظمة وأهمية قدم فيها خيرة شبابه وضرب أروع الأمثلة في التضحيات وهم يطالبون بالحرية والعيش الكريم والعدالة الاجتماعية التي هي جزء لا تتجزأ عن المطالب التي رفعت في ثورة62م, وبعد ثلاث سنوات على ثورة فبراير التي أطاحت بنظام علي صالح وبالرغم من المخاضات الصعبة التي لا تزال تمر بها الثورة ظلت متمسكة بأهدافها وبقيت الشعارات واللافتات الثورية المنادية بدولة العدالة والقانون والمواطنة المتساوية حاضرة ومرفوعة ولم تُنكس للحظة, وعندما تأتي اليوم أبواق الإمامية ودعاة الطائفية والمذهبية من جماعة الحوثي اللاهثة وراء السلطة لتفرض على الشعب العودة إلى عهد ماضٍ كئيب داس عليه حينها ودفنه تحت التراب لا تدرك بأن شعب اليوم ليس شعب الأمس, وما كان يسكنهم من خوف ورهبة لسنوات عديدة ما فتئ أن تحول إلى صيحات هزت حروفها الجبال وأسمعت صدى كلماتها من به صمم, ولأن الزمن تغير والشعب أصبح أكثر قوة ووعياً ويقظة فلن يرضى لأحد أن يفرض عليه عنجهية فكره الرجعي العنصري الذي تجاوزه الزمن ولن يكون له مكان في حاضر أو مستقبل اليمن, كما لن يسمح بأن يُنصب أحد نفسه سيدا عليه أيا كان الغطاء الذي يتستر خلفه لان السيادة اليوم أصبحت للشعب ولا غير الشعب هو السيد الأول والأخير وصاحب الكلمة والرأي والقول الفصل والوحيد الذي يمكن أن يعول عليه للخروج من الوضع الراهن وإفشال المخططات الشيطانية التي تحاك من قبل جماعات العنف فلا مجتمعا دوليا أو إقليميا ولا حتى مبادرة خليجية يمكن التعويل عليهم لإنقاذ اليمن ممن يحاولون الانقضاض على جمهوريته ووحدته ومخرجات حواره الوطني.
والمنطق الذي تسير وفقه جماعة الحوثي "إما أن نحكمكم أو نقتلكم" لم يعد يُخيف الشعب اليمني الذي فتح صدوره إبان ثورة فبراير أمام رصاصات الغدر والحقد التي كانت تصوب ناحيته ظنا بأنها ستقتل أحلامهم وستُسكت هتافهم فما سكت هتافهم بل ازداد قوةً وهيجانا ولم تمت أحلامهم بل ظلت تُروى بالدماء وتكبر يوماً بعد آخر. ومن ظل يَقتُل في اليمنيين وهو بعيد عن السلطة ويستبيح دماءهم ويفجِّر منازلهم ويهجِّرهم من قُراهم ومنازلهم أنى له أن يحكمهم!
آفاق الحاج
أبواق الإمامية ودعاة الطائفية والمذهبية 1259