* كان قطباً في فضح الحضارة الغربية وخواءها الروحي وتفككها الأسري وعذابها النفسي وسعارها الشهواني إلخ أمراضها الكثيرة الخبيثة والتي يسترها عن أعين العالم تقدمها الصناعي, فنفذ سيد لحقيقة تلك المجتمعات ولم تبهره المظاهر كما بهرت مفكري عصره المتنكرين لأمتهم ودينهم تأثراً بالتغريب "كطه حسين ورفاعة الطهطاوي" ونحوهم من الملوثين فكرياً المفتونين غربياً.
* كان قطباً في إعادة الثقة إلى الأمة بدينها في حقبة كان الانبهار بالتفوق الغربي هو الرأي العام في الأمة وهو حديث المسلمين في المجالس والمدارس والجامعات وعليّة القوم وهو السيل الجارف لأغلبهم هذا مع اجتياح المذاهب التغريبية والجاهلية للأمة مثل القومية والاشتراكية بمدارسها المختلفة, فاجتمع على الأمة انبهار بحضارة الغرب وإعجاب إلى حد الفتنة بل والخجل من الإسلام ومذاهب وافدة هدّامة, فسلك النخبة في الأمة كل السبل والمذاهب البعيدة عن الإسلام علّهم يحظوا بتقدم كما حظي الغرب أو على الأقل علّهم ينجو من تهمة التخلف أن تمسكوا بدينهم فألحد منهم من ألحد وضل منهم من ضل وظن كثيرون انتهاء عصر الإسلام بل والأديان عامة لأنها ضد التقدم والحرية ودليل الرجعية إلخ زعمهم فجاء سيد ودق جرس العزة بكتابه المستقبل للإسلام ودلل على عظمة هذا الدين في كتابه هذا الدين ورسم معالمه وقواعده الخالدة خاصة في مسألة الحاكمية في كتابه "معالم في الطريق" على أغلاط في بعض معانيه ثم جاء تفسيره في ظلال القرآن كتبه بنفس الروح التي كتب بها كل كتبه؛ روح الاعتزاز والفخر بالإسلام بل واحتقار الحضارة الغربية وضلالها الذي فُتن به كثير من المسلمين وهكذا رفع سيد راية العزة بالإسلام في الوقت الذي كان معظم الكتاب في زمنه يكتب عن الإسلام بخجل وانكسار أو عن الغرب بإكبار وانبهار بسبب الهزيمة النفسية حتى أن عالماُ مثل محمد عبده خضع لسخرية الغرب بالطير الأبابيل ومخالفتها للمنطق الإلحادي عندهم فراح يفسرها تفسيراُ قد يروق للغرب فقال إن معناها بكتيريا الجدري فرد عليه سيد في تفسير سورة الفيل ونحو ذلك موقف الشيخ محمد عبده أيضاً من تعدد الزوجات التي كاد يلغيها كما في تفسير المنار استجابة للذوق الغربي فرد سيد على الشبهات المثارة حول هذه المسألة.. هذان مثالان يكشفان نفسية ذلك العصر ومدى الوهن الذي حل بالمسلمين حتى خجل بعض علمائهم من القرآن وبعض أحكامه. أعترف أن الحديث عن سيد يحتاج إلى من هم أعلم مني لعلو كعب سيد في المناقب والمواهب فهو مزيج من المواهب والفتوحات الربانية وله من الدرر والإبداعات وإبكار المعاني التي لم يسبق إليها ولكني أحببت أن أشارك في الدلالة على قمة من قمم الإسلام المعاصر وليس من شان العلماء والعظماء ألا يكون لهم أخطاء كبرت أو صغرت وقد وقع سيد رحمه الله في ذلك شانه شان غيره من رموز الأمة واني اعلم أن بعض الغلاة يكفرونه أو يضللونه على ما وقع فيه مع علمهم انه وقع في أغلاطه وهو في السجن وتحت التعذيب ولو كتب منتقدوه في نفس الأجواء التي كتب فيها سيد لجاءوا بطامات اكبر منه كما انه لم يتح له مراجعة كتبه وكثير من أخطائه قلد فيها غيره من العلماء كالتأويل إن اعتبرناه غلطا لا اجتهاداً فيه أو كان ضحية بعض الروايات التاريخية الضعيفة والمنكرة عن الصحابة كعثمان ومعاوية وعمرو ونحوهم رضي الله عنهم مما هو مدون في تاريخ الخلفاء للسيوطي ونحوه من الكتب الغير محققه وبعضها كانت رد فعل للتعذيب الذي تعرض له وللحرب الشرسة التي كانت معلنه ضد تحكيم الشريعة فجاء بعبارات تبين صلت الحاكمية بالإيمان وانها شرطه فظن البعض انه يكفر الأمة وقد رد على هذه الشبهة في رسالته أفراح الروح التي تفيض شفقة بالأمة والعصاة لا تكفيرا لها كما أن عبارة الجاهلية التي يكررها سيد شرعية ولا تعني التكفير وإنما وجود بعض أخلاق الكفار في الأمة وفي البخاري قال الرسول لأبي ذر "انك أمرؤ فيك جاهلية" وكثير من أخطاء سيد لا تصح عنه كقولهم عليه انه يقول القرآن مخلوق ونحوها من المطاعن التي سببها تحامل وحسد وبغي وفجور في الخصومة وكلها لن توقف طباعة كتبه بالملايين لما وضع الله فيها من قبول لصدق وإخلاص صاحبه نحسبه كذلك .
ومهما قيل في سيد وكتبه فمن لم ينقد من العلماء ؟وغيرهم ؟وللإنصاف فقد نقد بعض علماء الإخوان سيدا كالبهنساوي في كتابه شبهات حول الفكر الإسلامي ود. عبد الفتاح الخالدي في موسوعته في ظلال القرآن في الميزان 3 مجلدات وكتابه سيد قطب والقرضاوي في ظاهرة الغلو في التكفير وغيرها من كتبه ونقده غيرهم من علماء ومفكري الإخوان وللإنصاف أيضاً فقد انصف الشيخ د بكر أبو زيد عضو هيئة كبار علماء السعودية "سيد" عندما رد على ألد أعداء سيد قطب الشيخ ربيع المدخلي كما انصف المحدث الالباني سيدا فقال انه يمثل السلف بأسلوب معاصر وانه ملهم كما في كتاب الشيخ المنجد أحداث مثيرة في حياة الالباني وقال الشيخ ابن باز رحمه الله في تحفة الإخوان بتراجم بعض الأعيان ولاحظ العنوان : نفذ حكم الإعدام في المذكور أي سيد قطب فرحمه الله وعلى سائر علماء المسلمين ونرجو أن يكون من الشهداء الأبرار ومع ذلك تجد الغلاة يستثقلون حتى الترحم عليه وان أبى الغلاة إلا البغي على سيد فلينظروا في أغلاط علماء وأئمة وقعوا في زلات اكبر من زلات سيد وهم اعلم منه بل لا مقارنه ومن شاء أن يتأكد فليقرأ تحقيق الالباني رحمه الله لكتاب كشف الأستار وسيجد زلات كبيره لإمامين عظيمين يجلهما الغلاة المكفرين أو المضللين لسيد كثيرا ونحن معهم في إجلالهما رحمهما الله ومن قرأ ظاهرة الأرجاء للشيخ سفر سيجد زلات للشيخ الالباني رحمه الله على فضله وعلمه ومن قرأ كتبه أيضاً خاصة الصحيحة ومن قرأ رد اللجنة الدائمة لعلماء السعودية على علي الحلبي سيجد زلات كبيره للالباني والحلبي في الحاكمية وغيرها من الكتب الناقدة له ومن قرأ البركان للشيخ مقبل رحمه الله سيجد طعنا شنيعا في مخالفيه من العلماء والدعاة حتى في أعراضهم وكذا من قرأ إجابة السائل له ونحوها من كتبه سيجد زلات كثيره وكذا من قرأ كتاب الشيخ مقبل آراؤه العلمية والدعوية للشيخ د. محمد العامري ونحو ذلك واشد في كتب الشيخ الحجوري كالصبح الشارق أو أشرطته في الجرح وغيرهم من العلماء والدعاة الذين يزكيهم الغلاة فلو عاملناهم بما يعاملون به مخالفيهم لما بقي عالم وهي أمثلة ذكرناها كرهاً والله ليعقل الغلاة وليعرفوا أن العصمة مستحيلة لغير الرسل والأنبياء وأنا لا أبرر زلات سيد واحذر من اتباعها أو اتباع أي زلات لغيره من العلماء, كما احذر من جعلها سبباً لهدم كل فضل لصاحبها فهذا منهج الخوارج أما أهل السنه فالإنصاف والورع اصل كل نقد عندهم للأدلة القاطعة بوجوب ذلك حتى مع الكفار أو الزنادقه أو المتهمين بها مثل الحلاج وابن عربي وأبو يزيد البسطامي ونحوهم ممن انصفهم السلف ولم يقدموا للإسلام عشر معشار ما قدمه سيد رحمه الله بل لا مقارنه وسيبقى سيد عظيماً يختلف فيه الناس كما اختلفوا في العظماء قبله وبعده وينهل منه الأغلب كما نهلوا ممن هم مثله..
رحم الله علماءنا ودعاتنا ورزقنا الإنصاف والأدب وورع اللسان وسلامة الصدور "رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ"..
الشيخ / علي القاضي
ذكرى استشهاد سيد قطب رحمه الله2 1285