لا يستطيع عاقل أن يفصل فصلاً نهائياً بين حبه لوطنه وحبِّه لعقيدته التي تحدد هويته الدينية والروحية والفكرية أيضاً, فبقدر الإيمان الذي يحمله المرء يكون احترامه للوطن وحرصه على بقاء السلم الاجتماعي قائماً بين جميع أطيافه السياسية والعرقية والطائفية دون فرق يُذكر, فمصلحة الوطن تأتي ضمن مهام وواجبات والتزامات دينية كثيرة جدا، تبدأ بإماطة الأذى عن الطريق وحتى تصل إلى تحريم قتل النفس والسعي للإفساد في الأرض.. وهنا نصل إلى قاعدة هامة: حب الوطن من الإيمان، كما هو الحياء من الدين، فكما أن الحياء صفة أساسية من صفات المؤمن، فحب الوطن من أولى صفات المؤمنين أيضا، فالمؤمن ذو الإيمان الكامل والصادق يجنح إلى السلم واللين والدفع بالتي هي أحسن, وهكذا فإن هذا المزيج المتكامل والمتجانس بين العقيدة والوطنية لا يمكن فصله مطلقاً، ولعلِّي لا اتهم بالكذب كل من يدعي حب الوطن وعلى كتفه بندقية وفي قلبه شيء من البغض والسفه والاستخفاف بحقوق الآخرين، نحن نحب أوطاننا بقدر إيماننا وعمق عقيدتنا وسماحة شريعتنا، لذا من الظلم والإجحاف أن يسمِّي البعض نفسه مؤمنا أو حتى مسلما ولم يدخل حب الوطن الى قلبه، بل هو لا يعي حق هذا الوطن عليه ظاهراً وباطنا. ولربما ظن أننا نقصد بالوطن أرضاً من الطين أو الإسفلت، أو نظاما للديمقراطية أو التشريع والقانون.. الوطن بقاطنيه وإلاَّ لما بقيت الصحراء صحراء بلا اسم والبحر بحرا بلا حدود أو معالم.. وكل مكان في العالم بقي خاليا من السكان بقي أيضاً بلا هوية جغرافية لذا نحب أوطاننا لأن حبها في قلوبنا مرتبط بعقائدنا ودياناتنا.
لهذا يستميت الناس في الدفاع عن أوطانهم، ولا أقصد الجميع ، بل أولئك الذين يؤمنون بها وبأنها حقيبة الروح وهودج العقل ومحفظة الذاكرة والبوم الذكريات، لا يفهم الكثير من الناس ـ مع بالغ الأسف ـ أن لون الإنسان مستمد من لون تربة الوطن، وسلوكياته تعبِّر عن تضاريسها، وسعادته تتوقف على حظ الوطن من الخير والمطر.. وكيف يمكن أن يبسم إنسان وقد جفَّت سهول وطنه وتشققت حقولها عطشاً وجوعاً؟ بقدر غنى أرواحنا يكون غنى أوطاننا.. لهذا تبقى اليمن فقيرة ما دامت أرواحنا فقيرة إلى المعالي.
