كنت أشعر بالخوف والقلق والاضطراب ومتردد عن السفر إلى جمهورية أثيوبيا (الحبشه) ثم تواصلت مع يمنيين مقيمين فيها بغرض الاطمئنان وردوا علي بالقول : سافر وستجد في سفرك متعة وراحة فعزمت وتوكلت على الله وكانت المغادرة والوصول إلى مطار أديس أبابا بعد منتصف الليل وتوجهت إلى صراف العملات المختلفة وأثناء وقوفي للصرافة اقتربت مني امرأة أثيوبية متوسطة العمر تتكلم العربية وهمست في أذني قائلة لا تخرج من جيبك عملة أجنبية إلا بقدر الحاجة حتى لا يعرف الآخرون مقدار رصيدك وقد حَمَلتِ النصيحة معنيين الأول مخوف والثاني مطمئن فأخذت بها ودخلت العاصمة التي يسكن فيها أكثر من مليون مسلم أما نسبتهم من إجمالي سكان الدولة فهي بما يساوي 50% حيث يبلغ عدد سكان الدولة85 مليون نسمة كما تقول إحدى الإحصائيات وعند خروجي للتجوال في شوارع العاصمة( أديس ابابا) لم أجد مليشيات مسلحة تفتش المارة أو تنهب البيوت والمؤسسات أو تعتدي على الأفراد والجماعات كما أني لم أجد نقاطا عسكرية حكومية للتفتيش وكل ما وجدته بشرا بديانات مختلفة مسلم ومسيحي وبشرة سمراء وقلوبا بيضاء وتعايشا سلميا وقبولا بالآخر بعيدا عن الفوارق الطبقية فهناك من يصلي في المسجد وآخر يدخل الكنيسة وعند الانتهاء من الطقوس الدينية يعيشون إخوة وأحبابا حينها شعرت بخيبة أمل حول ما يدور في بلدي الذي لم يكن فيه أقليات مسيحية أو يهودية أو بوذية وإنما عرب مسلمون بنسبة 100% فالعاصمة محتلة وأسلحة الدولة منهوبة والحريات منتهكة وبيوت الخصوم السياسيين والإعلاميين وأصحاب الرأي والبرلمانيين وغيرهم تُنْهَبُ كل يوم.. هذا ما هو حاصل في بلد الإيمان والحكمة كل ذلك اثر عليّ وأنا أتجول في مدن الحبشة وأحيائها وريفها وحضرها وعلى الرغم من الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعيشها إلا أن مواطنيها يعيشون سعداء بدماثة أخلاق وتواضع ومحبة وابتسامة وترحاب وتعايش سلمي لا تطرف فيه ولا أنانية ولا أحقاد كل ذلك جعلني أتذكر التاريخ الإسلامي وعصر النبوة الأولى عندما وجه الرسول الأعظم صلى الله وعليه وسلم أصحابه بالهجرة إلى الحبشة في بيعتي العقبة الأولى والثانية عندما اشتد عليهم البلاء والإيذاء من كبار عتاولة قريش وطغيان مكة فكان أمره لهم بالتوجه إلى الحبشة لأن فيها ملك لا يظلم عنده أحد وكانت الهجرة فراراً بدينهم ونجاة بأنفسهم من طغيان قريش وكبريائها وقد استقبلهم الملك مُكرما وحامياً لهم ومناصرا ومدافعا عنهم وعند تأكده من صدق نبيهم أسلم بدليل قيام الرسول صلى الله وعليه وسلم بالصلاة عليه عندما بلغه وفاته..
وبقدر ما شعرت بالسعادة والاستقرار في بلد أفريقي غير عربي بكيت نفسي ووطني ولكني ما أزال متفائلا بخروج المليشيات المسلحة من العاصمة وعودة الحياة إلى طبيعتها التي كانت عليه وعودة الأمن والاستقرار وفرض هيبة الدولة بدلا من اللا دولة فلا استقرار لأي دولة تحكمها جماعة مسلحة أو حزب دكتاتوري ولكن الاستقرار كل الاستقرار في التعايش مع الآخر وبشراكة الجميع دون استثناء بعيدا عن الإقصاء والتهميش اللهم أحفظ يمننا من كل سوء ومكروه وجنبها كل المصائب والفتن آمين.
أحمد محمد نعمان
أأبْكِي نَفْسِي أمْ أبْكِيكَ يَا وَطَنِي 1406