دعوني أتساءل: هل المواطنة لا بد أن تكون علمانية؟ وهل تحققها يستلزم التخلي عن المرجعية الإسلامية في القانون والتشريع؟ إن المواطنة مُفاعَلة ( أي تفاعل بين الإنسان المواطن وبين الوطن الذي ينتمي إليه ويعيش فيه .. وهي علاقة تفاعل لأنها ترتَّب للطرفين وعليهما العديد من الحقوق والواجبات.. فلا بد لقيام المواطنة أن يكون انتماء المواطن وولاءه كاملين للوطن وليس لشيخ القبيلة.. يجب عليه أن يحترم هويته ويؤمن بها وينتمي اليها ويدافع عنها بكل ما في عناصر هذه الهوية من ثوابت اللغة والتاريخ والقِيَم والآداب العامة والأرض التي تمثل وعاءَ الهوية والمواطنين.. وولاء المواطن لوطنه يستلزم البراء من أعداء هذ الوطن طالما استمر هذا العداء.. وكما أن للوطن ومجتمعه وشعبه وأمته حقوقا كذلك من أهمها: المساواة في تكافؤ الفُرَص، أو الطبقة أو الاعتقاد مع تحقيق التكافل الاجتماعي الذي يجعل الأمة جسداً واحداً والشعب كياناً مترابطاً وإذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر أعضاء الجسد الواحد بالتكافل والتضامن والتساند والإنقاذ.. واذا كان التطور الحضاري الغربي لم يسبب التمييز على أساس الدين [الطائفة] بين الكاثوليك والبروتستانت وعلى أساس العرق في التمييز ضد الملوَّنين , فإن المواطنة الكاملة والمساواة في الحقوق والواجبات قد اقترنت بظهور الإسلام وتأسيس الدولة الإسلامية الأولى، في المدينة المنورة سنة 1 هـ ـ622م، على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحت قيادته.
فالإنسان في الرؤية الإسلامية هو مطلق الإنسان والتكريم الإلهي هو لجميع بني آدم قال تعالى :" ولقد كرَّمنا بني آدم" (الإسراء آية 70) والخطاب القرآني موجَّه ـ أساساً" إلى عموم الناس ..ومعايير التفاضل بين الناس هي التقوى المفتوحة أبوابها أمام الجميع.." إن أكرمكم عند الله أتقاكم" بل لقد جعل الإسلام " الآخر الديني" جزءاً من الذات وذلك عندما أعلن أن دين الله ـ على امتداد تاريخ النبوات والرسالات ـ هو دين واحد وأن التنوُّع في الشرائع الدينية بين أمم الرسالات إنما هو تنوع في إطار وحدة هذا الدين:" لكلٍ جعلنا منكم شِرعةً ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمةً واحدة" (المائدة اية 48 ) ـ ولقد وضعت الدولة الإسلامية فلسفة المواطنة هذه في الممارسة والتطبيق وقنَّنتها في المواثيق والعهود الدستورية منذ اللحظة الأولى لقيام هذه الدولة في السنة الأولى للهجرة .. ففي أول دستور لهذه الدولة تأسست الأمة على التعددية الدينية وعلى المساواة في الحقوق والواجبات بين المواطنين المتعددين في الدين والمتحدين في الأمة والمواطنة.. فنص هذا الدستور ـ بيان دولة المدينة ـ على أن " اليهود أمة مع المؤمنين" لليهود دينهم وللمسلمين دينهم .. وأن لهم النصر والأسوة مع البر من أهل هذا البيان.. ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.. على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم وان بينهم النصر على من حارب اهل هذا البيان.. وان بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم.. وأنه ما كان بين أهل هذا البيان من اشتجار يخاف فساده فمرجعه الى الله وإلى رسول الله.. هكذا تأسست المواطَنة في ظل المرجعية الإسلامية منذ اللحظة الأولى لقيام دولة الإسلام.
مرة أخرى أتساءل: أين نحن اليوم يا أمة الإسلام عمَّا يجري في البلاد الإسلامية عن الإسلام الذين ألصقوا به علماء الإسلام الجدد صفة الإرهاب .. أصبحوا يطاردون المسلمين في بريطانيا وفي الكثير من البلدان مع أن دين الإسلام هو دين يسر وليس دين عُسر, حسبي الله ونعم الوكيل.
أحمد عبدربه علوي
دين الله واحد..والمواطنة واحدة 1266