تذوب أفكارنا وقناعاتنا سريعاً في بوتقة الآخرين ليختلط بعدها الصواب والخطأ في عملية صراع لا نتائج واضحة لها، وفي غياب الفلتر الذاتي أو الضمير؛ بمعنى أوضح فإن المنهجية السلوكية تتلاشى في ظل وجود مظلة سلوكية تستطيع احتواء الرأي والفكر المجتمعي على حساب من يملك الرأي ولا يملك أدواته.
ولهذا نجد الكثير ممن ينضوي دون تلك المظلة العائمة حتى لو لم يجد في انضوائه دونها ذاته أو يحقق عبر تبعيته تلك غاية ضئيلة تخرجه من صفوف الانتحاليين إلى سياق الفطرة والطبيعة.
يتحمل المحللون السياسيون أمانة إبراز التفاصيل الدقيقة للحركات الثورية على مر التاريخ لكنهم لا يفعلون ذلك حين يتعلق الأمر بأيدولوجيات وسياسيات متناقضة لا يمكن إدارك تفاصيلها لأنها تحدث وفق مشيئة ربانية مغايرة لما يمكن توقعه أو استنتاجه منها.
ولقد أثبت التاريخ الحديث ان الشعوب لا تعيش تاريخاً منفصلاً عن بعضها البعض، فعملية انصهار الثقافات وذوبانها هي من تشكل قوام الأنساق الاجتماعية بكل طبقاتها وهذا ما يفسر وجود جسور حضارية متلازمة بين شعوب الأرض؛ إذ لا يخلو المحتوى الثقافي لأي شعب من مكونات شعب آخر رغم اختلاف البيئة الجغرافية والحقب التاريخية إلا أن احتياجات الإنسان تبقى واحدة في كل مكان وزمان.
ولعل المتفحص لأي حركة ثقافية أو ثورية أو أيدولوجية يكتشف بسرعة ما تتركه تلك الحركات من آثار سلبية تفوق ما قد تتركه من إيجابيات، بالإضافة إلى أنها تحدث بفعل الضغط المتولد عن ذوبان تلك الثقافات الواردة إليها في كل عقد من الزمن ولهذا فإنها سرعان ما تعمل على تشكيل المنظومة الأخلاقية لأي مجتمع.
وهذا بدوره سيدفع لقيام قناعات مستقلة تتبناها أضعف الأقليات في هذا المجتمع أو ذاك.
إن الحلقة الأضعف ضمن سلسلة التاريخ البشري هي مجموعة المبادئ والقيم المثالية التي يتصارع البشر على بقائها أو إلغائها، وهذا ما يجعل الانقسام الفكري لأي جيل بشري أمراً وارد الحدوث خاصة في وجود سياسات تحمي أطرافاً بعينها على حساب أطراف أخرى أقل قوة.
لذا نستنتج من ذلك: أن هذه الفوضى التي يعانيها العالم اليوم هي نتاج طبيعي لصراع الثقافات السياسية والايدلوجية الذي خلق اهتزازاً في حجم ونوع العلاقات والمصالح المتبادلة بين طبقات المجتمع الواحد وبينها وبين مجتمعات أخرى اكثر انفتاحاً وأقل احتياجاً لمقومات العيش الطبيعي وهذا يفسر وجود تلك الصراعات بشكلها الأكبر والأفظع في بلداننا العرية والإسلامية التي تشكو الخلل في توزيع الثروات كما تشكو أيضاً من اختلاف القناعات وتضادها مهما بدت الثقافة الايدلوجية واحدة.
ألطاف الأهدل
صدِّق أو اقرأ لتصدّق!! 1296