قصف وإبادة جماعية لمناطق في رداع منها بلاد قيفة والمناسح، وتحرك ألوية الجيش من ذمار لمساندة مليشيات مسلحة جاءت من جبال صعدة مسنودة بالطيران الأمريكي، لقتال قبائل البيضاء لقد بات الجميع يتساءل إذا ما كان الجيش اليمني يدور مع المصالح الأمريكية حيث دارت، ويتواجد في الأماكن التي ترغب الولايات المتحدة الأمريكية أن يتواجد فيها، ويغيب عن المكان الذي يطلبه المواطن اليمني!
ولو وُضِع استفتاء شعبي حول تحركات الجيش اليمني لكان 90% من أبناء هذا الشعب يرون أن الجيش اليمني يتحرك بقرار امريكي وليس يمني.
حيث أصبح جزءٌ واسع من الشعب اليمني يشك في ولاء الجيش اليمني، ويستاء من تصرفات قادته، لا سيما في الأحداث الأخيرة المتسارعة، التي فضحت بشكل علني أن الجيش اليمني لا يملك انتماءً وطنياً، وإنما هناك قوى دولية واقليمية تحركه بالريموت كونترول.
ولم تكن الرغبة الرئاسية في معزل، بل كانت إذا وجدت قائد كتيبة أو لواء عسكري، ينتمي للوطن سارعت إلى إبعاده، ووضع أصحاب ولاءات ضيقة في اماكنهم، تتمتع بسهولة شراء ولائها لصالح جماعات معينة.
ناهيك عن أن قيام الجيش بفتح ذراعيه لمليشيات مسلحة قادمة من جبال مران، وفتح لها مخازن الدولة وسلَّمها الدبابات والأسلحة الثقيلة والخفيفة، يمثل آخر مسمار في نعش ولاء الجيش المزعوم.
بل ويذهب الكثير من المحللين أن الجيش كان له الدور الأكبر في اسقاط اكثر من خمس محافظات بأيدي مليشيا الحوثي.
ظهور وزير الدفاع في اكثر من مناسبة بجوار قائد ميداني لجماعة الحوثي المدعو "أبو علي الحاكم" أثار الكثير من الاستفهامات، واتضح أن هذا الثنائي ما هما إلا ضمن الفريق الأمريكي لتمكين جماعة الحوثي" الشيعية " من السيطرة على مفاصل الدولة اليمنية وتقويض الدور السني المتواجد في أركانها.
يظهر ذلك جلياً من المطالبات الملحة منذ زمن بتغيير وزير الدفاع من اغلب المكونات السياسية في اليمن والتي وصفت الوزير في أكثر من مرة بالخائن، لكن الرئيس هادي يظهر استماته شديدة للحفاظ على الوزير، وهذه الرغبة يقف خلفها المجتمع الدولي التي لأمريكا جزء كبير منها.
مفهوم الوطن عند الجيش
الدولة اليمنية مساحتها 527,970 كيلو متر مربع وفي داخل هذه المساحة يسكن المواطن، ولحماية الوطن والمواطن بني جيش يمني يتدخل في أي لحظة يتعرض لها الوطن وأي مواطن على هذه المساحة من الاعتداء، وتهديد حياته، واهانة كرامته مهما كان انتماءه، ذلك أن الجيش لكل المواطنين دون تمييز.
ولهذه المهمة أكثر من أربعين عاماً وثلاثة أرباع ميزانية الدولة في اليمن تذهب لهذا الجيش على حساب الصحة والتعليم والغذاء.
بل إن إعادة هيكلة الجيش المنقسم كلف اليمن الفقير فاتورة تبلغ قيمتها اكثر من مليار دولار، ولم تكن إعاده هيكلة بل انهاء ما تبقى من ولاء وطني للجيش، وتمييعه واثبتت الاحداث اليوم خطوة الهيكلة.
دعونا نقرأ كيف نظر هذا الجيش العظيم للمواطن وهل سارع لإنقاذه من براثن الموت والقتل والتهجير؟!
دماج قرية على حدود صعدة، عاشت لأكثر من عقدين من الزمان لم يسمع أحد أن حادثة اعتداء حصلت، أو انها اطلقت لعبة نارية، ومع انها سلفية إلا انها عاشت في تعايش وسلام مع اصحاب المذهب الزيدي، وعندما جاءت الرغبة الأمريكية بتشتيت معاقل الإسلام السني، اذاقتها مليشيا الحوثي سم العذاب، الحصار الأخير دام اكثر من 100 يوم، اضطروا الناس في تلك المنطقة ليأكلوا اوراق الشجر!
كانت مليشيا الحوثي تقصف وتقتل، وعندما طُلب من الجيش أن يحمي وينقذ المواطنين أطلق اغرب مصطلح على الجيش في وطن واحد، قال إن الجيش سيبقى على الحياد من الجميع، ولن يتدخل، وكأن ما يحصل ليس داخل الحدود اليمنية!
أيضاً كان الجيش محايداً عندما سقطت محافظة عمران، وسقط أكبر وأول لواء في الجمهورية اللواء 310 وخذل قائده العميد/القشيبي، بل وشارك الجيش في الخيانة، حيث كانت تعطى احداثيات للطيران مغلوطة، وسهل القادة في وزارة الدفاع للحوثيين سحب المعدات والآليات العسكرية من اللواء دون القيام بتحرك رسمي حازم تجاه ذلك، ودون ضربهم من قبل الطيران الحربي.
ومع أن اللجنة الرئاسية أصدرت بياناً أكدت فيه أن الحوثيين لم يلتزموا بما تم الاتفاق عليه, وقاموا بمهاجمة معسكر اللواء وارتكبوا أعمالاً مروِعة، ومع ذلك لم يتحرك الجيش ولم يعاقب جماعة الحوثي، بل سمح لها بالتمدد، وتصفية الخصوم السياسيين، وتهديم المنازل، وانشاء السجون الخاصة.
غاب الوطن في الشمال وحضر في الجنوب
كيف يستطيع أن يفهم المواطن، أن الجيش اليمني بقي محايد على جزء من الوطن، بينما وبإشارة من وزير الدفاع الأمريكية هيغل يتحرك الجيش وكل معداته واغلب افراده، لحماية الوطن في شبوة وحضرموت وغيرها من مناطق الجنوب!
بل إن غالبة الشعب اليمني تساءلوا اذا ما كان الوطن في دماج وعمران هو نفسه الوطن في شبوة وحضرموت إذا لماذا حضر الجيش هنا وغاب هناك؟!!
هنا تنكشف اوراق اعتمادات الجيش اليمني، وظهرت الازدواجية في التفكير واتخاذ القرار.
بعد شهرين من تهجير اهالي دماج، كان يرتقب الجميع من ابناء الشعب اليمني أن الجيش اليمني ووزير الدفاع سينتصر لذلك اليمني الذي شرد من قريته، وتأديب ذلك الإرهابي الذي هجرهم واخذ ممتلكاتهم دون وجه حق!
لكن وزير الدفاع اليمني محمد ناصر أحمد كثير من قادة الجيش، ولوا وجوههم وجهة اخرى، يمموها نحو الولايات المتحدة الأمريكية، بعد ان شعرت امريكا بخطورة تنامي تنظيم القاعدة في شبوة وحضرموت طلبت الوزير في جلسة مغلقة في شهر ابريل 2014.
ولأول مرة يلتقي وزير دفاع يمني بوزير دفاع أمريكي؛ حيث كان عادة يلتقي وزير الدفاع اليمني بمساعدين لوزير الدفاع الأمريكي.. هكذا جرت العادة خلال الفترات السابقة.
لكن المهمة بما أنها ذات شأن متعلق بتنظيم القاعدة كان لابد أن يتلقى الوزير التوجيهات والإرشادات للفترة القادمة وجها لوجه.
لم تكن ارشادات متعلقة بالقاعدة فقط، بل توجيهات بأن هناك حليف جديد لواشنطن يقوده عبدالملك الحوثي وعلى وزير الدفاع أن يسهل من مهامه ويكون سنداً وعوناً لتمدده، لأنه الخصم الذي سنستخدمه للحرب على القاعدة بعد أن فشلت اللجان الشعبية السنية في أبين!
ليس المقام هنا للحديث عن الزواج الأمريكي الحوثي والذي لعب وزير الدفاع فيه دور المأذون!
نعود للحديث عن زيارة الوزير لأمريكا ونتائج تلك الزيارة، فأثناء فترة اقامته نشرت وسائل الإعلام أن الوزير جدد جهود البلدين في سبيل مكافحة الإرهاب، بالطبع ليس الإرهاب الحوثي، إذ أن امريكا تعتبر ما قام به من قتل وتشريد هو بمثابة خدمة تقليل نسبة السكان في اليمن!
بعد عودة وزير الدفاع لم يسترح من عناء التعب، بل سارع الوزير باتخاذ قرار شن حملة عسكرية ليس ضد الحوثي طبعاً لأن الجيش هناك محايد بل كانت الحملة العسكرية على عناصر تنظيم القاعدة في محافظتي شبوة وأبين جنوب وشرق اليمن ، وتحمس الوزير قائلاً إنها "لن تتراجع إلا بتطهير هذه المناطق من أعضاء القاعدة "!
وعلى الرغم من فشل تلك الحملة العسكرية كسابقتها من الحملات، كان يغطي الجيش اليمني اخفاقاته بانتصارات وهمية بل انه اختلق اسماء لأعداء وهمية، فمرة يقول مقتل القيادي بيكاسو واخرى يقول مقتل الشيشاني، حتى أن الكثير من الناشطين سخروا من موقع وزارة الدفاع 26 سبتمبر الذي كان ينشر مثل هذه الاخبار، بينما لم يكلف نفسه ولو بحرف لينطق عما جرى في دماج وغيرها في عمران والجوف!
من خلال ما سبق والمعايير التي من شأنها أن يتخذ وزير الدفاع القرار، ندرك جيداً أن قرار الجيش لم يكن وطنياً بل يدار من داخل الكونجرس الأمريكي، ووزير دفاعه ليس محمد ناصر أحمد بل هيغل وزير الدفاع الأمريكي وكل الدول العربية من بينها اليمن!
استحلت جماعة الحوثي العاصمة صنعاء على مرأى ومسمع من الجيش اليمني ووزير دفاعه، نهبت معدات الجيش من دبابات ومدرعات واسلحة ثقيلة، ووزير الدفاع يتفقد المجاري والصرف الصحي في الحديدة، كان يستطيع حماية عاصمة الدولة اليمنية لو أن قرار ذلك في يده، لكنه يدرك ما ينبغي عليه فعله وما هي التعليمات التي استلمها اثناء زيارة هيغل في ابريل الماضي، وكذلك زيارته المتكررة للإمارات العربية المتحدة.
لم تعد امريكا بحاجة إلى مارينز فهنا جيش يستمع لما تقول وينفذه بالحرف الواحد كما لو أنه جيشاً امريكياً.
مصطفى حسان
المهمة الأمريكية للجيش اليمني 1232