تتجاذب الفرد البسيط العادي- في مهده وحاضره ومستقبل حياته- العديد من الانتماءات السوية التي تحدد أنماط وأشكال حركته وعلاقاته المتنوعة مع الآخرين حتى يرتسم السلوك وتزدان الحركة في قالب وإطار جامع يدعم مقدرة الإنسان السوي العاقل على التعايش السلس الآمن مع المحيطين به في ظل حقيقة التجاذبات في الانتماءات المتعددة الذي اعتاد على تأكيدها في الواقع العملي المعاش..
وتتشكل أمام الفرد البسيط العادي العديد من الانتماءات, فمنها ما هو رئيس كدائرة الانتماء للدين ودائرة الانتماء للوطن ومنها ما هو ثانوي "فرعي" كدائرة الانتماء للأسرة وتتفرع منها عدة دوائر كدائرة الانتماء للعائلة والعشيرة والقبيلة, ودائرة الانتماء للذات، ودائرة الانتماء الحزبي والسياسي ودائرة الانتماء الجنسي، حيث تقوم الدائرتان الرئيسيتان بتنظيم مجمل الانتماءات؛ فالمطلوب من الفرد أن يجسد العديد من انتماءاته إلى العديد من دوائر الانتماء على الصورة الشرعية، فانتماؤه إلى الذات لا يمكن أن يغلب على الانتماء الديني والوطني؛ مثلاً: فالانتماء الديني والانتماء الوطني هما صماما أمان برعاية وتنظيم مختلف الانتماءات الثانوية، حيث يجب أن نُطبع حراكهما بمنظومة القيم وحزمة المثل والمبادئ التي يعجان بها ثم ننتقل من أجل "تأطير حركة الفرد البسيط العادي في طريق الانتقال ثانياً إلى تنظيم حركة الجماعة الواحدة والجماعات التي يعج بها المجتمع. فحركة المجتمع حين تأتي على هذا النهل يترابط المجتمع، وتقوي وحدته، ويسهل علينا أن نطلق عليه بالمجتمع الراقي الخالي من التصدعات كون الشريعة المحمدية "الانتماء للدين" والمنطلقات والأعراف الوطنية الحميدة هي التي تنظم السلوك العام الذي يشعب انتماءه إلى الدوائر الفرعية في ظل الانتماء العام للدين والوطن.
ونستطيع القول إن التخلخل في الصف الاجتماعي والإرباك والانقسام في وحدة الصف الوطني يعزى إلى حدة الاضطراب في عمل دوائر الانتماء، ومدى فاعلية دائرة الدين ودائرة الوطن في تنظيم العملية الانتمائية والحركية، فالانقسام والتشظي القائم في بلادنا اليوم يعود في الأساس إلى تهميش دور الدائرتين الرئيستين وتغليب الانتماء إلى الدوائر الثانوية الفرعية، فثمة جماعات مسلحة للعنف والتخريب والإرهاب تغلب انتمائها إلى الجماعة وإلى الذات على ما عداه من الانتماءات الفاضلة، فتتمادى في شق وحدة الصف الوطني، وتمعن في خلخلة الصف الاجتماعي الواحد موصلة البلاد والعباد إلى أتون أزمة سياسية واجتماعية خانقة تلوح خلالها خيارات الحرب المدمرة..
ويبقى من العيب أن تمارس أعلى المؤسسات في الدولة كمؤسسة الرئاسة والحكومة ومجلس النواب والشورى والمؤسسة العسكرية والأمنية حق الفرجة إزاء ما يعتمل في الساحة الوطنية وما يجري من سفك للدماء بدمٍ بارد من قبل تلك الجماعة المسلحة التي تغابى الجانب الرسمي في التعاطي والتعامل معها من البدايات الأولى لاعتداءاتها على سلفيي دماج ثم حجة والجوف وعمران؛ إذ كان يجدر بالدولة ممثلة بالمختلف أجهزتها ومؤسساتها أن تضرب بيد من حديد على كل من تسول له نفسه المساس بأمن واستقرار الوطن عن طريق إخماد الفتنة التي أيقظتها جماعة الحوثي الدموية التخريبية الإرهابية التي تعاني من اختلالات عظيمة في مستويات انتماءها للدين والوطن اللذين تم الدوس عليها لتقليب الانتماءات والمآرب الذاتية والفئوية والجهوية؛ إذ لن يصلح الحال إلا بإعادة النظر في شأن الانتماءات وتغليب الانتماءات الدينية والوطنية على ما عداهم من الانتماءات الضيقة.. والسلام..
عصام المطري
نحو مجتمع راقٍ خالٍ من التصدعات 1264