يسأل أحد الأصدقاء: كم هي المساحة المتاحة للصدق ليأخذ موقعه في حياتنا اليومية؟.. وأعيد صياغة هذا السؤال: كم هي المساحة التي تزحزح عنها الكذب ليأخذ الصدق تمثيلاً رمزياً في حياتنا اليومية؟.. ذلك الصديق الشجاع تجرع مرارة أكاذيب الميكانيكي الذي أصلح له سيارته ليسقط مرة أخرى في حبائل كذب السمكري الذي أتلف شبكة أنابيب المياه في منزله, ثم ليكتشف بعد ذلك أن الخادمة الأثيوبية التي تعمل في البيت والتي عاشت مع أطفاله لسنوات عديدة سرقته وهربت. وفي نهاية "مقيلة" بعد يوم مثقل بالمشاكل والأعباء يطرق باب بيته مرشح للانتخابات النيابية ويبدأ في قصف صاحبنا بالوعود والأمنيات وهو يجيب بابتسامة وعبارة "توكل على الله ولا يهمك أبشر" وعندها تبين أن صاحبنا بادل الكذب بكذب مثله, ففقد حقه في الحزن والمرارة بعد أن عرف أن للكذب مذاقاً خلو وأنه المخرج للعديد من المآزق والإحراجات. بائع القات يمارس مهنة الكذب يومياً والصنايعي يفشل بدون أكاذيب المهنة وبائع الألبسة يمارس مهنة الكذب, والجارة تكذب على جارتها يومياً والزوجة تتفادى عصبية زوجها بسلسة طويلة من الأكاذيب والإبن والموظف يكذب للحصول على إجازة مرضية وهكذا لا يجد الصادق مكاناً يقف فيه أو أحداً يصغي إليه فيتنازل عن زمنه ويخلي مواقعه شيئاً فشيئاً مع غروب الشمس.. وحين تأمل صاحبي بعض لافتات المرشحين حينذاك ابتسم ابتسامة حزينة وسألني أي المواقع التي احتلت هذه الشعارات؟! قلت ربما نفس المواقع التي احتلها السمكري والميكانيكي وخادمتك الهاربة؟. قال: لم يترك هؤلاء مكاناً لأحد ولكن قد تفسح صناديق الاقتراع أمكنة كثيرة قبل أن نفقد الأمل بإشراقة جديدة لشمس الصدق.. ونحن قادمون على فترة حساسة قادمة نريد أن تتوافق هذه العادة الغير المحببة لا تريد لها الاستمرار في الفترة المقبلة وخاصة أثناء الاستفتاء على الدستور والانتخابات النيابية لأهميتها.. هذه قضايا هامة لصالح البلاد والعباد نأمل ألا يسودها ويعمها الكذب كما نأمل أن تكون الأيام القادمة خالية من الكذب الذي تعودنا عليه وعودونا عليه في الفترة الماضية.. يكفي أننا ظلينا نكذب في الفترة السابقة "33" عاماً كلها حالة كذب وراء كذب.. الله يهدينا جميعاً لقول الصدق الصحيح..
أحمد عبدربه علوي
زمن الكذابين 1338