في حين يطالب المختلفون والمغرضون بحكومة كفاءات وطنية عبر تعيين وزراء من ذوي الكفاءات بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية يظهر تناقضهم والغرض الحقيقي لمثل هذه الأزمات, حيث وأن رأس هرم هذه الحكومة محكوم بالتقاسم بين رؤساء الأحزاب السياسية والتنظيمات المسلحة المشكلين لها.
يتملك زعماء الأحزاب والتنظيمات المكونة لهذه الحكومة هواجس الخوف والاختلافات التي سرعان ما تنتقل عدواها إلى وزراء كل حزب من الأحزاب المشكلة للحكومة تجاه وزراء الأحزاب والتنظيمات الأخرى, خاصة إذا علمنا أن الاتفاق على تفويض رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء لم يكن على أساس مخطط ومنظم, بل جاء نتيجة استجابة أو للرد على اجتماع مجلس حكماء اليمن كما ادعى منظموه.
لم تقتصر هذه الهواجس والاختلافات بين زعماء الأحزاب والتنظيمات السياسية, بل سرعان ما تنتقل عدواها بين وزراء كل حزب إلى الحد الذي تفشت حتى بين أفراد المجتمع لدرجة قد تجد مناصري الأحزاب من أفراد الشعب يختلفون لاختلاف زعماء الأحزاب والعكس.
فرئيس حزب المؤتمر يختلف مع زعماء الأحزاب والتنظيمات الأخرى المشكلة للحكومة, وتتملكه هواجس الخوف من معظمهم, وتتفاوت نسبة تقبله لحزب أو تنظيم مسلح حسب المصلحة المشتركة التي غالبا ما تكون في شكل تحالف سري للإطاحة أو تصفية خصوم معينين من أفراد الحزب الآخر, وينطبق نفس الأمر على بقية الأحزاب والتنظيمات الأخرى.
تظل الشكوك قائمة وتخيم على قدرة رئيس الجمهورية ورئيس وزرائه الجديد على تحقيق النجاح في ظل الاختلافات وهواجس الخوف من الآخر التي تدب في نفوس الأحزاب والتنظيمات الأخرى في الحكومة المرتقبة والمشكلين لها ولا تلبث أن تصيب عدوى هذه الاختلافات بعضاً إن لم يكن كل وزير حزبي ليصبح أداة لتنفيذ أمزجة ورغبات وقرارات زعيم حزبه حتى لو كانت أعوج من ذيل الكلب.
في الواقع فوجود حزبين سياسيين, وتنظيمين أحدهما مسلح, والآخر مناهض, فضلا عن الحقائب الوزارية التي تتبع رئيس الجمهورية في تعيين وزرائها, يدل دلالة واضحة على التقاسم وأن الحكومة المرتقبة كما كانت سابقتها تحكم بعدد أحزابها وتنظيماتها وليس رئيس حكومتها فقط, مما يجعل فرص نجاحها ضئيلة ولا مناص من فشلها إلا بتغليب مصلحة الوطن لدى رؤساء الأحزاب أنفسهم وليس أعضائها.
في مجملها ليست أكثر من مجرد لعبة حزب أو تنظيم يطمح إلى محاولة فرض وزراء تابعين له بغض النظر عن انتمائهم لهذا الحزب أو ذاك, وربما من اجل هيكلة التشكيلة الحكومية السابقة نظرا للضعف الواضح لدى رئيس الدولة. هذا الحزب أو التنظيم هو من أطلق بالونة مجلس حكماء اليمن لاختبار مدى الاستجابة لفرض آرائه, وهو من يحاول أن يحرك الدولة والحكومة وفقا لمعتقداته وأفكاره ومن وراء ستار.
فوضى وأكثر تعانيها الدولة اليوم ويتأثر بها الشعب تأثرا بالغا.. فنحن عائشون في نوع من التفاهة والفراغ السياسي والفكري والأخلاقي في ظل غياب البديل كما يقال ويشاع بل ويفرض علينا, في حين تستمر المحطات التلفزيونية العربية والعالمية ببث صور باعثة على اليأس والشعور بالإحباط التام, ليس في بلادنا فقط بل في أكثر من دولة.
والى آخر المأساة التي لا حاجة لسردها, ويشعر كل واحد منا بأنه متفرج على الأحداث لا غير, فعليه أن يؤمن أولا لقمة العيش وكل مشاكل الحياة اليومية, ويتساءل الكثيرون ما الرأي الذي يدور في أذهان الناس نتيجة الوضع الذي يرثى له. مع رئيس الدولة أم ضده؟ أم مع الحكومة أو ضدها؟ أم مع الأحزاب والتنظيمات السياسية أم ضدها؟ هذه هي الصرخة التي لم نجد لها جواب إلا سخافة مئات الندوات واللقاءات والمؤتمرات التي لم ينتج منها أي حل أو بديل.
محمود الحرازي
اللعبة السياسية! 1075