من الواضح أن هناك طرفين الآن يلعبان على الفراغ السياسي في اليمن هما "أنصار الله" و"أنصار الشرعية" الذين صاروا أنصار "الزعيم". وهما طرفان يبدوان متناغمين في حركتهما ومواقفهما منذ شهرين، مستفيدين من انهيار العملية السياسية التي قامت على "صناعة إجماع" يمنية برعاية إقليمية ودولية بلغت أوجّها في يناير 2014. صناعة إجماع قوضت أية إمكانية لإنجاز انتقال آمن في اليمن "وباليمن" إلى وضعية دستورية مستقرة.
هناك تحالف صريح الآن بين الرئيس السابق وجماعة الحوثيين؛ تحالف على الأرض بين طرفين يعززان بعضهما البعض بصرف النظر عن التباين الأيديولوجي واختلاف الدوافع بينهما.
وهذا التحالف يفرض شروطه ويتنمّر على اليمنيين مستفيداً من غياب مشروع وطني يؤمن احتشاداً شعبياً في مواجهته.
***
لم أكن يوماً مع الاجتثاث، ولم أتحمس لأية سياسات وتكتيكات خلال الأعوام الماضية توسع الهوة بين الرئيس هادي وحزب المؤتمر الشعبي العام. وكنت على الدوام مؤيداً لاستيعاب "أنصار الله" في العملية السياسية وضد أي تحريض عليهم تحت أي مبرر بما في ذلك الفرضية التي تشترط تحول الجماعة إلى حزب وتسليمها السلاح قبل المصالحة والإنصاف في صعدة.
لكن ما يفعله الحوثيون اليوم هو تصعيد سياسي وميداني خطير بالتشارك مع طرف سياسي لا يوفر فرصة لخلط الأوراق في اليمن؛ اليمن الذي تقزم في خطاب الشريكين ليتطابق مع جماعتيهما وتفضيلاتهما.
منذ 21 سبتمبر الماضي يقدم الحوثيون لليمنيين وجههم الآخر؛ وجه الجلاد لا الضحية، وجه "الغلاة" لا وجه "الاعتدال" الذي كان يوزع الابتسامات في فندق موفنبيك. وفي سياق هذا التحول يتموضع الحوثيون والمؤتمريون باعتبارهم وجهي العملة "الطغيانية" التي تشد اليمنيين إلى تواريخهم القريبة والبعيدة المُرصّعة بالحروب والفتوحات والانقلابات.
***
هناك تحالف راغبين في العاصمة يضم طرفين ثأريين؛ احدهما فتي والآخر آفل، يقاربان اليمن بعدسات مكبرة لا تظهر فيها سوى قسماتهما فقط!.
ليس من المعيب أن يتحالف الحوثيون مع الرئيس السابق وأنصاره، ففي السياسة لا توجد عداوات دائمة ولا مواقف نهائية بين الأحزاب والجماعات في الإطار الوطني. لكن من المثير أن يكون الحليف الوحيد للحوثيين الآن هم أولئك الذين ثار عليهم الشعب اليمني في 2011.
"أنصار الله" و"أنصار الشرعية" في مواجهة اليمنيين بعد خروج أنصار الثورة من حسابات القوة في اليمن.
لقد أزيح أنصار الثورة بقيادة علي محسن من الواجهة. وهذا تطور مفيد لأنه يتيح رؤية أدق وأشمل لبقية "الأنصار" في يمن منكوب وتعس وكسير تتعاقب عليه جماعات دون وطنية، شرهة واصطفائية، تعتمد تعريفات حصرية للوطنية.
أنصار الله" و"أنصار الشرعية" في ضفة واحدة من نهر السياسة في اليمن. لقد قررا معاً وبتناغم شديد، إشهار تحالفهما اليوم ودون مواربة، ما يستدعي حساسية فائقة من الأطراف الأخرى التي تقف مشرّذمة على الضفة الأخرى، قبل الإقدام على أية قرارات.
سامي غالب
الزعيم والسيد..المتناغمان!! 1438