لو صدقت أطروحة عن قرب لقاء سري يجمع السفير الأمريكي بزعيم الحركة الحوثية كما ذكرت بعض الصحف المحلية, فذلك إنما يقودنا إلى القول إن اليمن أصبح مستنقعا من التحالفات الداخلية والخارجية والتي وجدت في ضعف الدولة بيئة خصبة لمختلف هذه التحالفات وبما تشكله من صراعات وحروب طويلة الأمد.
تركيز الضربات التي تنفذها الطائرات الأمريكية بدون طيار بشكل يبدو بما لا يدع مجالا للشك أنها أكثر مساندة للمليشيات الحوثية, خاصة في المناطق والمواقع التي يتواجد فيها كلا الطرفين الحوثي والقاعدة, فضلا عن استثناء عبدالملك الحوثي من قائمة عقوبات مجلس الأمن الدولي يؤكد وجود تحالف ولقاءات سرية أميركية حوثية.
كذلك فإن تصريح السفارة الأميركية بصنعاء قبل عدة أيام للقنوات العربية والعالمية عن عزمها تقليص عدد موظفيها الأمريكيين يؤكد أن هذا التحالف قد يفضي إلى صراع ليس بالهين وقصير الأجل.
الشيء الرئيسي في مثل هذا التحالف أن السفارة الأمريكية بصنعاء ربما يئست من قيام الدولة بدورها في محاربة الإرهاب والقاعدة وانها بذلك تنظم وتوجه وتسخر إمكانياتها لمجابهة تنظيم القاعدة باستخدام حتى الطرق والوسائل غير الشرعية, كاستخدام المليشيات المسلحة والمتمردة.
أشيع في الماضي القريب أن تنظيم القاعدة هو نتيجة ممارسات الإدارة الأمريكية تجاه الدول الأخرى, ونتيجة الضربات الأمريكية بواسطة الطائرات بدون طيار التي لا تكاد تخطئ في أهدافها لتصيب المدنيين, وأن أسامة بن لادن هو نتيجة وتدريب أمريكي استخدمته كأحد الأسلحة ضد الاشتراكية.
واليوم تجرى لقاءات سرية مع زعيم التمرد الحوثية وتستخدم مليشياته في حربها ضد تنظيم القاعدة وبشكل لا يكاد يختلف كثيرا عن سيناريو استخدام أمريكا لتنظيم القاعدة وأسامة بن لادن ضد الاشتراكية. والذي ما يلبث حتى تصبح حركة الحوثي أجير حرب وعصابات سبق استخدامها من قبل بعض الأحزاب والدولة ولا تزال يستخدمها بعض أفراد المجتمع ضد بعضهم البعض.
تكمن خطورة مثل هذا التقارب الأمريكي الحوثي انه لا ينفك حتى يحول اليمن إلى منطقة ملتهبة بالصراعات والحروب اللا منتهية تماما كصب الزيت على الماء الساخن, فلا تكاد تتعمق أمريكا في دولة ما بحجة محاربة التطرف والإرهاب والقاعدة, وتنتهك سيادتها باستخدام الطائرات بدون طيار حتى تشتعل نيران الحروب الطائفية والمتمردة.
وليست ليبيا ومشاهدها المأساوية عنا ببعيد وكذلك العراق وأفغانستان وسوريا, وربما كل الدول التي استطاعت أمريكا أن تنتهك سيادتها وتتدخل في شؤونها الداخلية حتى العمق, والتي ما تلبث حتى تتدخل في هذه الدول باقامة التحالفات ودعم المليشيات المسلحة وغير المسلحة إلى أن تصل بالدولة إلى مرحلة النكوب كما في بنغازي اليوم.
الموقف الأمريكي في التدخل في شؤون اليمن بما يمثله من تقارب بين سفير دولة عظمى ومتمرد على الدولة, إلى حد تقديم الدعم والتحالف مع بعض المجاميع المسلحة لأي سبب كان إنما هو خروج عن الإطار العام للاتفاقيات الدولية بشأن مهام السفارات والسفراء, ولا شك أن التقارب الأمريكي الحوثي يتناقض تناقضا صارخا مع المصالح القومية للدولة.
محمود الحرازي
السفير والمتمرد! 1368