لقد عاشت بلادنا ردحاً من الزمن, تحت وطأة الحكم الديكتاتوري والذي ساد فيه الظلم والقهر والاستبداد , وغياب الحريات والتعبير عن الرأي والشفافية حيث تم إبعاد الجماهير عن معرفة الحقائق اللازمة لحياتهم اليومية , وكذا حجب المعلومات عن المهتمين والمواطنين وهذا يعني تعطيل المشاركة الشعبية, مما أسفر عن عدم ممارسة الشفافية والتي تعتبر أساس أساليب الحكم الرشيد , وحُسن ادارة الاقتصاد وتحقيق الآمال والتغلب على الاشكاليات , والوصول الى حلول مستدامه.
والشفافية تعني توفير المعلومات الدقيقة عن الاحداث والوقائع والبيانات في وقتها, واتاحة الفرصة للجميع للاطلاع على المعلومات ونشرها في الاعلام وتوسيع دائرة المشاركة والرقابة والمحاسبة وتجفيف منابع الفساد في كافة المرافق الحكومية.
كما يُقصد بالشفافية في العمل, كشف الاهتمامات والاهداف والدوافع والاعلان عن المبادئ التي تضمن حق المواطنين والمنظمات في الاطلاع على كافة المعلومات , مع مراعاة ضرورة التحفظ على بعض المعلومات التي يحددها القانون , كما يجب تعيين الجهة المعنية لتحديد التوقيت المناسب لنشرها وتصنيف هذه المعلومات حسب ارتباطها بأمن الوطن والمصلحة العامة للبلاد , غير ان حق الشعوب في المعرفة لا يقتصر في الاطلاع على المعلومات من مصادرها بل يشمل الحق في التبادل والمشاركة الايجابية في تكوين الآراء ووضع القرارات خلال جميع مراحل اتخاذها .
ولكن هذا لا يمكن ان يتحقق من خلال المشاركة والتعامل في ظل الاعلام الرسمي التابع للسلطات , كما ان الاعلام الرسمي ملزم بما يصدر اليه من تعليمات تحد من إيجابياته في التعامل مع قرار السلطات ,ممَّا يؤدي الى عدم الوضوح او التفسير للقضايا التي تهم مصالح الجماهير , اضافة الى حجب المعلومات او تفاصيلها وعدم اتاحة الفرصة للتفسير او التحليل, من ثم عدم قناعة الجماهير بالقرارات التي تخذها قيادات السلطات وهذا يدعو الى تجنب ردود الافعال لما قد يتمخض من اجراء الصدامات والقلاقل وتشويه صورة الادارة الوطنية لدى المنظمات الدولية التي تتعامل معها الحكومة .
وحتى يكون نظام الحكم شفافاً لا بد من اتجاه النظام الديمقراطي نحو الشفافية , كوسيله لمحاسبة مسؤولي السلطات ومكافحة الفساد وعقد اجتماعات السلطات بصورة علنية ومفتوحة للأعلام والجماهير , وحتى يكون هناك مجال للحوار ومناقشة القوانين والقرارات.
كما ان الشفافية تخلق مشاركة يومية في العملية السياسية عن طريق الاعلام والجماهير , حيث لم تعد الانتخابات والاستفتاءات الشعبية هي الوسيلة الوحيدة للجماهير كي تحكم نفسها.
لذا ينبغي توفير الحريات للمواطنين ومنظمات المجتمع المدني في الوصول الى مصادر المعلومات والاطلاع عليها , وعلى الجهات المختصة الافصاح عن الحقائق كامله , بدون تحفظ حسب القانون .
وذلك كي تتعزز الثقة بين الجماهير الشعبية والسلطات الرسمية ويساعد ذلك على توسيع المشاركة المجتمعية في اتخاذ القرارات وانجاز المهام وتحقيق النجاحات في كافة المجالات , ما لم فان العلاقات بين السلطات والجماهير ستكون ضعيفة وسيظل الوضع هشاً وغير مقبول شعبياً.
مع هذا فان السلطات لا تستطيع تنفيذ المهام وتحقيق النجاحات بدون المشاركة الشعبية مما قد يؤدي الى الفشل الذريع في ادارة شؤون البلاد.
ولكي نحافظ على بلادنا من الوقوع في دائرة الفشل, وتصبح من الدول الفاشلة يجب العمل على ترسيخ عملية ممارسة الشفافية وتنظيمها في الواقع والزام السلطات بممارستها والسماح بالاطلاع عن المعلومات ونشرها في الاعلام , وتحديد العلاقة بين السلطات والجماهير الشعبية مع المنظمات المدنية بصورة دقيقه , وحتى يتسنى الزام كافة الجهات المعنية بالحقوق والواجبات المطلوبة منها , وذلك لضمان تحقيق التوافق الوطني والنجاح للجميع في بناء هذا البلد.
مع تقديري,,
محمد صالح الجدي
الشفافية والإفصاح عن المعلومات 1265