جاءني مسرعاً وأنفاسه تدق علی وتر الخوف وعزف الألم وصوته يتقطع من بين كلماته: اغتالوا صادق منصور؟!.
هب إليّ الخبر كالصاعقة المباغتة غير أني لم أكن اعرف من هو ولم يذهب تفكيري في أن يكون هو ذاته الشخص الذي تأكدت أنه هو .
توقفت لحظة صمت.. وبدأت اتصارع مع اضلعي.. عندما بدأت باستيعاب ذلك المشهد المؤلم. وهم يطرقون علی قلوبنا باب الالم ويغرسون علی كاهلنا بذرة الحزن بفقد كبدة السلام. وروح تعز .
بدأت بالتجوال في ذاكرتي بين ذهاب وعودة لأتذكر تلك الابتسامة التي كانت ترتسم علی وجه الشهيد.. وتلك اللفتة العابرة التي كانت تنبعث من روحه اتجاه الجميع باستثناء الشباب المبدع.
تجولت.. لأرتمي في حضن الألم الذي ينغرس في كاهلي. بمجرد تذكره بروحه العفوية.. وقلبه الواسع الذي يحمل هم الوطن والمجتمع.
كنت بين حين وآخر اتواجد هناك حيث يتواجد الشهيد والأصدقاء في مكتب الإصلاح.
كنت دائما أجده في ذلك المكان. الذي أملئه الشهيد ماء من رحيق المحبة وورود من حديقة المودة والاحترام والعفوية ورسم علی حائطه ابتسامة عابرة لن ولم تزول بل من شدتها سيتألم منها الجميع.
لا أعلم كيف سيعيشون الاصدقاء هناك..
كيف ستمضي بهم الأيام وتمر بهم الحياة لتجعلهم أيتاماً بعد ذهاب الأب الروحي لهم ولتعز ككل.
ما هي الحياة بالنسبة لكم بعد وداع من كان زهرتها وبلسمها وروحها كان حاضرا روحا وجسدا.. لكنه الآن غاب جسدا وروحه لا تزال تتلاشی أجسادنا.
أحقاً اغتالوك يا روح تعز.. أحقاً انقضت علی روحك الطاهرة كلاب مسعورة وخفافيش ظلامية. لتروي عطشها من بحر دماءك الزكية.
لا أكاد استوعب المشهد والمنظر المؤلم الذي أشاهده حينما يتساقط علی الأرض أجنحة السلام وعصافير المدنية وحمام الفكر.
انهم بذلك يغتالون تعز.. انهم يغتالون مبدأ السلم والتصالح والمدنية الذي كان الشهيد يتغنی بها طوال مشواره الوطني. .اني أحدثكم عن رحيل روح تعز ومهندس السلام ورائد المدنية والثقافة العالية فيها .
احدثكم عن رجل يحمل قلب وروح لا يوصفان بأي حال من الأوصاف.. أحدثكم عن شخصية لها ثقلها. وقامتها العالية في المجتمع.
رحيله سينتج ثغرة في تقليب الجو الجميل. وتحويله إلی كئيب سيحدث رحيله شروخ علی جدار الصمت الذي كان سيد الموقف لدی القوی والأطراف في تعز .
سيحدث ضجيج في آوان الدولة. لانهم يعلمون ان رحيله هو تسليم مبدأ المدنية لصانعي الفوضی والخراب التي كان الشهيد يشدوا بها علی بسمات المحبة وايقاع التحول نحو صناعة مجد عظيم. لإحداث نقلة نوعية في مسيرة الكفاح الوطني .
يا لشدة الوجع الذي ينغرس في قلوبنا والألم الذي يغوس في قاع أرواحنا. والنار الذي تكوي أجسادنا .
لقد استطاعوا في احراق شباك الامل. واخترقوا موسوعة الفكر. وشوشوا علی توازن العقل في اغتيالهم لمكون تلك المكونات الحضارية والمدنية السامية.. لقد استطاعوا في غرس خناجر الظلام.. لتستقر في خاصرة الحق ورواد السلام واطلاق سهام غادرة لتستقبلها روح مليئة بدروع المحبة والمودة. استطعتم اخذ روح تعز ومزقتم أوراق السلام وبلورتم عملية المدنية .
تعز.. كيف ستكون بدونه!! ويّحكم!!: لقد نجحتم في اصطياد فريسة.. كانت هي الأكلة المفضلة لمستقبلنا. ورسم خريطة أحلامنا .
يريدون الوطن ساحة للجنون.. لذا يغتالون العقل وصوت الحق ومنبر الأفكار ..!!
راكان عبدالباسط الجبيحي
اغتيال روح تعز..! 1392