جرّب أن تكتب "حارس المسجد الأقصى" في محرك البحث غوغل، وستتبين لك الصورة الحقيقية لما يعانيه الحراس في المسجد الأقصى المبارك من ممارسات الاحتلال التعسفية. ستشاهد إلى جانب كلمة حارس في أي نتيجة بحث، مرادفًا من ثلاث: اعتقال أو إبعاد أو اعتداء. والعديد من الحراس عانى إحدى هذه الانتهاكات، وتعرّض غالبيتهم لها جميعا.
عندما اعتدى جنود الاحتلال على الحارس مهند إدريس داخل أسوار المسجد الأقصى، حاول مدير المسجد الشيخ عمر الكسواني إنقاذه وتخليصه من بين أيديهم وهراواتهم، حتى ناله من الاعتداء نصيب، لم يسعفه مقامٌ ولا وقار. وما أضاف إلى حنق الشيخ عمر الكسواني، هو قيام ضابط الاحتلال في المسجد الأقصى بالاتصال به هاتفيا والاعتذار عما بدر من عناصره – بحجة أنهم لم يتعرفوا على هويته أو الحارس؛ رغم زي الحارس الموحَّد، وعمامة الشيخ التي يعتمرها دومًا. أما الحارس فقد تم توقيفه وتمديد اعتقاله رغم كونه الضحية، وفرض عليه الاحتلال إبعادًا عن المسجد الأقصى لمدة أسبوعين، إضافة إلى غرامة مالية.
نوايا الاحتلال المبيّتة
في استطلاع للرأي أجراه "المعهد الإسرائيلي للديمقراطية" مؤخرًا حول صلاة اليهود في المسجد الأقصى، تبيّن أن 38.5% من الإسرائيليين يؤيدون هذه الصلاة ، ولو كلّف ذلك سفكًا لدماء المصلين المسلمين. فيما صرّح نائب وزير الأديان الإسرائيلي في مقابلة صحفية مع "القناة السابعة"، أن الترتيبات الحاصلة منذ عام 1994 في المسجد الإبراهيمي في الخليل (تقسيم مكاني 60% لليهود و 40% للمسلمين، وتقسيم زماني يُمنع خلاله المسلمون من دخول المسجد في المناسبات اليهودية)، قد حصلت بسبب المجزرة التي نفذها باروخ غولدشطاين في المسجد، وأدت الى استشهاد 29 مصليا ؛ وأضاف أنه من الممكن الوصول الى نفس الترتيبات في المسجد الأقصى أيضا.
وفي ظل هذه التهديدات بالقتل وسفك الدماء في المسجد الأقصى المبارك، يعاني الحراس - البالغ عددهم 150 موظفًا في دائرة الأوقاف الإسلامية في القدس- من صلاحيات هزيلة لا تؤهلهم لصد انتهاكات المقتحمين أو ردعهم. فبعد "عجز" الأنظمة العربية عن حماية المسجد وصد الاقتحامات من الأساس، أو استرجاع مفاتيح باب المغاربة التي سلبها الاحتلال عام 1967، اختُزلت مهمة الحارس في مراقبة تصرفات المقتحمين أثناء مسارهم، وإبلاغ المسؤولين في الدائرة عبر الجهاز اللاسلكي عن الانتهاكات التي يقترفها المقتحمون بحق حرمة المسجد والمصلين، وأدائهم شعائر توراتية أو الانبطاح على أرض المسجد، أو أي مظهر تعبدي آخر.
بالمقابل تقوم شرطة الاحتلال المنتشرة في رحاب المسجد الأقصى منذ ساعات الصباح يوميًا، باعتقال وملاحقة كل من يجرؤ على اعتراض الاقتحامات أو التكبير بالقرب من منفذيها. وقد صعّدت من هجمتها على المصلين بدعم وإيعاز من رئيسة لجنة الداخلية في الكنيست ميري ريغف، التي طالبت بسن قوانين خاصة بالمكان لدعم الشرطة قانونيًا في اعتقال الرجال والنساء من المصلين، على اعتبار أن المسجد الأقصى ساحات عامة يمنع الـ "تكبير" فيها.
أما الحارس الذي أتى ليحمل اللقب الفخري "حارس الأقصى" ويكون من حماته، فقد بات يشاهد مقتحما صغير السن يزجرُه ويهدده بالاعتقال والمحاكمة. ففي منشور جديد تم تعميمه على المقتحمين بداية تشرين ثاني الحالي تم إبلاغهم ما يلي: "لا تعيروا حراس الأوقاف أي اهتمام. أنتم مدعوون للسخرية منهم أو الصراخ في وجوههم. من ناحيتنا، هم غير موجودين، هم ممثلون لدولة احتلال (الأردن) وعلى هذا الأساس يجب التعامل معهم".
الحراس في ضيافة مخابرات الاحتلال
"انتبه، لا يوجد من يحميك هنا، عليك أن ترضخ لأوامرنا وتتعاون معنا، وإلا فقد تخسر نفسك ووظيفتك". بهذا الوعيد يتم استقبال الحارس الجديد الذي يتم تعيينه في المسجد الأقصى من قبل ضابط المخابرات، بعد أن يتم استدعاؤه للتحقيق فور استلامه الوظيفة. وتتواصل هذه التهديدات من خلال سياسة العصا والجزرة، حين يتوجه الحارس للمؤسسات الحكومية مثل التأمين الوطني أو مكتب الداخلية لإجراء معاملات بسيطة، تتم فقط بعد الرجوع الى ضابط المخابرات الذي يمّن على الحارس بتنفيذ طلبه.
وفي حديث مع أحد حراس المسجد الأقصى المبارك قال إن مشكلة الحراس الرئيسية تتمثل في عدم وجود جهة تملك الصلاحية لتوفير الحماية لهم. فمكاتب الأوقاف المسؤولة المباشرة عنهم، تتعرض هي الأخرى لاقتحامات من قبل ضباط شرطة الاحتلال والمخابرات، يقومون خلالها بتهديد الموظفين والمسؤولين بإغلاق مكاتبهم في حال لم يخضعوا للأوامر. وشرطي صغير يستطيع أن يمنع مدير الأوقاف من دخول المسجد، أو مزاولة عمله في المكتب.
ووصف "عملية دخول المستنقع" بأنها الهدف والوسيلة التي يستخدمها الاحتلال للضغط على الحراس وإجبارهم على التعاون معهم: "هدفنا هو الحفاظ على الأمن والأمان ونريد من يساعدنا على ذلك"، يستغل ضابط المخابرات ظروف الحارس ويتوعده قائلا: إن أردت إبقاء زوجتك الأردنية في البلاد، أو استصدار بطاقة شخصية أو ترخيص بناء أو حتى تسجيل سيارة جديدة باسمك؛ لا بد لك من التعاون معنا".
مسؤولية الأردن والدول العربية
لقد برع الاحتلال الإسرائيلي في معركة كيّ الوعي لدى أصحاب السيادة والمسؤولين العرب، حول قدرتهم على تفعيل دورهم في حماية المسجد الأقصى المبارك. فمبادرات خجولة لتثبيت السيادة الإسلامية عليه - كتحديد أعداد المقتحمين أو صدهم عن انتهاكات حرمة المسجد والمصلين- أصبحت في نظرهم أمرًا غير واقعي ولا يراعي الحقائق والتطورات على الأرض. ولو حاولت المملكة بدعم من الدول العربية استخدام أوراقها الضاغطة على الاحتلال الإسرائيلي، وتشكيل ظهير حقيقي للحراس يساندهم أمام ممارسات ضباط المخابرات وشرطة الاحتلال والمقتحمين؛ لما استطاع الاحتلال إكمال مخططه وسيُجبر على التراجع في خطواته، فيما سيقوم الحارس بمهمة حماية المسجد الأقصى كما يجب.
وما يزيد من ضرورة التحرك الفوري للدول العربية والإسلامية هو قرار الاحتلال الأخير بنصب بوابات الكترونية على مداخل المسجد الأقصى بكلفة حوالي 1.2 مليون دولار، تهدف بالأساس الى السيطرة الكاملة على المسجد الأقصى وشلّ عمل حراس الأوقاف الإسلامية. وسيؤدي هذا إلى تحييدهم كليًا وإبطال تأثيرهم على واقع المسجد الأقصى، يتحولون فيه إلى أحجار شطرنج تتحكم بها أذرع الاحتلال الأمنية كيفما تشاء.
إن مبادرة العاهل الأردني لإضافة خمسين حارسًا في المسجد الأقصى هي مبادرة مباركة بالطبع، وأي طرح آخر يسعى لتكثيف تواجد المسلمين في المسجد وتوفير الحماية لهم وللمصلين، هو عملٌ محمود. لكن ما هو أهم من ذلك يتمثل في إعادة الصلاحيات المنزوعة من الحراس، من خلال دعم حقهم في حماية المسجد الأقصى ومنع الانتهاكات فيه، إن لم يكن صد الاقتحامات من الأساس. وهذا لا يحصل من خلال الجهاز اللاسلكي، وإنما بتفعيل كافة الوسائل الدبلوماسية والسياسية للدول العربية، وإرغام الاحتلال على الاعتراف بحق المسلمين الخالص في المسجد الأقصى المبارك.
عزمي دريني
حُماة المسجد الأقصى يطلبون الحماية 1228