بعد أيام سوف يحتفل أبناء الشعب اليمني بالذكرى الـ(47) لاستقلال الجنوب اليمني عن الاستعمار البريطاني، وبالتأكيد سيصحو أبناء الشعب اليمني في اليوم التالي واليمن لازالت دولة واحدة ممتدة من صعدة إلى المهرة. أما ما يردده البعض من أن ذكرى الاستقلال ستمثل يوماً لاستعادة الدولة الجنوبية فهو مجرد كلام عاطفي غير قابل للتطبيق في الواقع العملي، وذلك للمخاطر التي ستترتب عليه، والتي نبه إليها كثير من الساسة والكُتاب.
ذلك أن إعلان الاستقلال لن يصبح حقيقة واقعة بمجرد إعادة نصب البراميل والأعلام الشطرية في نقاط الحدود الشطرية السابقة، أو بمجرد طرد المسؤولين والمواطنين الشمالين من محافظات الجنوب، ولو كان الأمر بهذه البساطة لكان الأمر قد تم منذ زمن.
فجميعنا يعرف بأن إعلان استقلال الجنوب بهذه الطريقة، دون ترتيب وتنسيق داخلي وخارجي، لن يترتب عنه إلا ظهور نسخة أخرى لجمهورية أرض الصومال، ذلك إن أحسنا الظن، وإلا فالأمور ستكون أسوأ من الصومال نظراً لصراع الزعامة بين قيادات الحراك الجنوبي والذي لا ينكره إلا مكابر.
لكن هل يعني ذلك أن اليمن سيشهد دولة اتحادية من ستة أقاليم (اثنان منها في الجنوب) كما نصت على ذلك مخرجات فريق القضية الجنوبية في مؤتمر الحوار الوطني الشامل؟.
أعتقد أن الإجابة المنطقية على ذلك التساؤل تقول بأن خيار الستة الأقاليم لم يعد خياراً قابلاً للتنفيذ العملي، ليس فقط لما كان يشوبه من عيوب وتشوهات في التوزيع غير العادل بين الثروة والسكان، ولكن لأن الحدود بين تلك الأقاليم – في معظمها - تم رسمها بطريقة اعتباطية غير مدروسة.
إلى جانب أن هشاشة الدولة اليمنية من قبل مؤتمر الحوار، والتي تطورت أوضاعها نحو الأسوأ بعد الانتهاء من مؤتمر الحوار، تجعل مخاوفنا تزداد من تطور نظام الستة الأقاليم إلى ست دويلات يمنية متناحرة، وهو ما كان يخشاه الرافضون لخيار الإقليمين.. وبطبيعة الحال فإذا وُضِعنا بين خيارين سينتج عن أحدهما تقسيم اليمن إلى شطرين، بينما سيدفعنا الآخر للتفتت إلى دويلات ست، فإن الخيار الأول سيمثل أهون الشرين.
خيار الستة الأقاليم كان من ضمن دوافعه حصر جماعة الحوثي في إقليم داخلي منفصلاً عن المناطق الساحلية والمناطق البترولية، لكن التطورات التي شهدتها اليمن منذ أواخر سبتمبر المنصرم قضت على كل ذلك، فالحوثيون صاروا يفرضون سيطرتهم على كل الساحل الغربي لليمن وليس على ميدي فقط كما كانوا يطالبون، بل وصارت المحافظات الشمالية كلها بشكل أو بآخر تقع تحت نفوذهم.
أما في الجنوب فإن محافظات غرب الجنوب (إقليم عدن في إطار الستة الأقاليم) هي التي تمثل الثقل السكاني للجنوب، وهي تقريباً ترفض تقسيم الجنوب إلى إقليمين، ولا يستطيع المؤيدون لتشكل الإقليم الشرقي في الجنوب (إقليم حضرموت) الادعاء بأن كل سكان المحافظات الشرقية يؤيدون ذلك الخيار.
ذلك يجعلنا نقول بأن إعادة النظر في مخرجات الحوار الوطني الخاصة بعدد الأقاليم الاتحادية صار مطلباً ملحاً، فمخرجات الحوار الوطني ليست قرآن لا يمكن مخالفته، إلى جانب أنها قد خولفت بالفعل، فرغم أنها قد نصت على نزع الأسلحة الثقيلة والمتوسطة من الجماعات المسلحة بما فيها حركة الحوثي في صعدة، لكن الذي حدث أن حركة الحوثي هي من توسعت بعد ذلك في عمران وصنعاء وبقية المحافظات الشمالية وتولت مهمة نزع السلاح من معسكرات الجيش اليمني.
إلى جانب ذلك فمخرجات الحوار الوطني نفسها كانت تحمل في طياتها عوامل فشل الأقاليم الستة، وذلك عندما نصت على تقسيم الستة الأقاليم على أساس جنوب وشمال وليس على أساس وطني، وكذلك عندما قسمت المواطنين اليمنيين إلى نصفين (شماليين وجنوبيين) وفقاً لمبدأ المناصفة بين الجانبين، وذلك يخل بأسس النظام الفيدرالي الذي يقوم على مبدأ التمثيل المتساوي لأقاليم الدولة.
وفي هذه الحالة فالحل يكمن في قيام دولة اتحادية من إقليمين (جنوبي وشمالي)، خصوصاً ونحن نعترف ضمنياً بوجود هويتين شمالية وجنوبية، فالتقسيم الثنائي سيجعل المناصفة تبدو كأمر طبيعي بين إقليمين اثنين، بعكس المناصفة التي تتم في إطار ستة أقاليم، بما يعنيه ذلك من أن حصة إقليمين جنوبيين ستساوي حصة أربعة أقاليم شمالية، وذلك سيجعلنا أمام فيدرالية من طراز جديد.
ما سبق يجعلنا نطالب القوى السياسية اليمنية المختلفة ومن خلفها القوى الخارجية الراعية بأن تعيد النظر في خيار الستة الأقاليم قبل الانتهاء من الدستور وإنزاله للاستفتاء، وتستبدله بخيار الإقليمين، بحيث يحتوى كل إقليم على المحافظات الواقعة فيه، ويمكننا أن نسمي المحافظات ولايات مادام البعض مغرم بهذه التسمية، رغم أن المشكلة تكمن في المضمون وليس في التسميات.
لكن ونحن نؤيد خيار الإقليمين على خيار الستة الأقاليم نقول بأن خيار الإقليمين يفترض أن يصبح خياراً دائماً غير قابل للاستفتاء كما هو الحال في البلدان الفيدرالية الأخرى، وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية التي يحرم دستورها على ولاياتها حق الانفصال عن الدولة الاتحادية بما فيها تلك التي كانت تشكل دول مستقلة قبل انضمامها للاتحاد مثل جمهورية تكساس.
أما إن جعلنا خيار فيدرالية الإقليمين (شور وقول) فذلك لن يعني إلا مزيد من التعطيل لحركة الحياة والتنمية والاستثمار في انتظار ما ستسفر عنه عملية الاستفتاء، والأفضل منه أن كل واحد (يعطف فرشه) من الآن.
نختم حديثنا هنا بتذكير الدول المحيطة باليمن بأن ما أمسى عند جارك أصبح في دارك، فإذا كان البعض يرى في إعادة تشطير اليمن مصلحة آنية له، فالأمر قد ينقلب إلى الضد في المستقبل القريب، ففصل الجنوب اليمني بحجة الاستفتاء سيجعل العدوى تنتقل إلى بقية جيرانه، وسيأتي يوم في ظل التطورات الدولية المتسارعة لن نستطيع فيه منع قيام الاستفتاءات الانفصالية مثلاً في ظفار أو الحجاز أو عسير أو الأحساء وغيرها كثير.
كلمة أخيرة نهمس بها في أذن إخواننا في الحراك الجنوبي: نتائج الاستفتاء في إقليم اسكتلندا البريطاني تستحق التأمل، باعتبارها خيار العقل، وتعلمنا كيف نضمن مصالحنا في إطار الوحدة. ومثلها نتائج انفصال جنوب السودان، التي تمثل الخيار العاطفي، بدولتها شبه المنهارة وحروبها المدمرة.. فأي الطريقين سنسلك؟.
د. عبدالله أبو الغيث
التطورات اليمنية وخيارات الإقليمين والستة والانفصال 1291