في مثل هذا اليوم العظيم تحتفل بلادنا بيوم الـ 30 من نوفمبر- يوم رحيل آخر جندي بريطاني من الشطر الجنوبي من اليمن «سابقاً»- هذا اليوم العظيم لم يتحقق إلا بعد ما سبقته أحداث بالغة الأهمية والتي مازالت حروفها منحوتة في سجل تاريخ النضال اليمني ضد الاستعمار البريطاني ولكني سأكتفي بذكر أبرز هذه الأحداث..
والبداية كانت في عام 1937م هذا العام الذي فيه كرست بريطانيا سياستها الاستعمارية على كافة المناطق اليمنية والمتمثلة في فرض نظام الحماية على جميع الحكام في السلطنات والإمارات الجنوبية «سابقاً » وفي نفس العام أعلنت بريطانيا بأن الشطر الجنوبي من اليمن «سابقاً » مستعمرة تابعة لها.. ولكن العامين «1956م -1936م » يعتبر أن نقلة نوعية في نضالات الحركة الوطنية اليمنية من أجل التحرر الوطني وتحقيق الوحدة اليمنية لتشكل مع انتصار الثورة السبتمبرية الوطنية «1962م» والتي أعلنت زوال العصر الإمامي المستبد في الشطر الشمالي من اليمن «سابقاً » الخلفية التاريخية الوطنية والتحررية التي أنضجت الظروف الموضوعية والذاتية لإعلان الثورة اليمنية المسلحة في يوم الـ41 من أكتوبر 1963م ضد الاستعمار البريطاني وامتداد هذه الثورة لتشمل المناطق اليمنية بما فيها مدينة عدن «الباسلة» والتي انتقل إليها في عام 1964م العمل الثوري العسكري كما أنها شهدت أيضاً مظاهرات وإضرابات سياسية جماهيرية وذلك تأييداً للثورة اليمنية المسلحة والتي استخدمت فيها عدة أشكال جديدة من المقاومة السياسية والعسكرية ذات النهج الوطني الخالص ضد الاستعمار البريطاني وتكثيفها من عملياتها في سبيل الحسم النهائي لمعركة الاستقلال وإرغام الدولة البريطانية على التسليم بالأمر الواقع والاعتراف المر بالتواجد الفعلي للمقاومة اليمنية وأحقيتها بالتفاوض لتحديد موعد الاستقلال وانتقال السلطة إليها «أي المقاومة اليمنية» وفي البدايات الأولى من شهر نوفمبر 1967م استكملت المقاومة اليمنية ضد الاستعمار البريطاني عملية إسقاطها واستيلائها على كافة المناطق اليمنية في الشطر الجنوبي «سابقاً » - باستثناء مدينة عدن «الباسلة».. وعبر معارك وطنية وسياسية وعسكرية في الأرياف والمدن اليمنية ضد التواجد الاستعماري البريطاني، حسموا فيها حقهم المشروع بتمثيل شعبنا في المفاوضات مع الحكومة البريطانية، وتحت التأثير المباشر للعمليات اليمنية الفدائية وأعمالها العسكرية بالإضافة إلى اشتداد حركة التظاهرات والإضرابات السياسية.
أعلن المندوب السامي البريطاني بعدن وبالتحديد في يوم الـ6 من نوفمبر 1967م اعتراف بلاده بالمقاومة اليمنية ممثلة شرعية ووحيدة لشعب جنوب اليمن «سابقاً » - ونتيجة لهذه الأحداث عقد في مدينة جنيف السويسرية خلال الفترة «22-27 نوفمبر 1967م» مؤتمر للتفاوض بشأن الاستقلال بين وفد من المقاومة اليمنية وآخر يمثل الحكومة البريطانية وانتهى المؤتمر بتوقيع الطرفين وثيقة الاستقلال وفي يوم 29نوفمبر 1967م كان رحيل آخر جندي بريطاني من جنوب اليمن «سابقاً » والذي ودع الجنوب المحتل قائلاً «وداعاً ليس بعده لقاء.. » وبذلك يكون يوم الـ30 من نوفمبر 1967م يوم الجلاء العظيم والذي جاء بعد كفاح وطني مسلح وسياسي دام أكثر من أربع سنوات..
ومما لاشك فيه بأن الثورة السبتمبرية في شمال اليمن «سابقاً» قد لعبت دوراً فعالاً ومؤثراً وبشكل مباشر وغير مباشر في مساندة المقاومة اليمنية الثورية في الجنوب ووقفت معها جنباً إلى جنب في التخلص النهائي من الاستعمار البريطاني. لكن هذه المرة وبعد الأحداث الدامية وما شهدته الساحة اليمنية من مسرحية الخيانة الهزيلة والتي أفضت بسقوط محافظات الشمال في أيدي الميليشيات والقتلة ومصاصي الدماء والذين أعاثوا في الأرض الفساد واهلكوا الحرث والنسل وأكلوا خيرات البلاد وثرواتها, لم يتحمل أبناء الجنوب أصحاب القضية الحقة والتي ظلموا ثلاثة عقود ويزيد, وحتى اللحظة لم تعالج القضية الجنوبية, فصحيح نسمع كثيرا ما حول حان وقت القضية الجنوبية لكن بالتوقيت المحلي للغريم نفسه, فها هو الـ30 من نوفمبر يأبى إلا أن يتم نوره إما بدولة مدنية حديثة تكفل كافة الحقوق والحريات والعيش الكريم للمواطن البسيط العادي, وإلا فكما كان يوم خروج آخر جندي بريطاني من اليمن ليكن خروج آخر شمالي من عدن, فمن أبناء الجنوب تحقيق المصير الذي يكفل لهم حياة كريمة وعيش هنيء ويضمن لهم مستقبلا حافلا بالخير والتقدم والازدهار والعطاء..
هشام عميران
ال30 من نوفمبر..صفحة مشرقة في التاريخ 1265